يحجّ المسلمون كل عام إلى مكة المكرمة ضمن شعائر فرضها الله علينا، تبدأ المناسك في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة بالإحرام من مواقيت الحج المحددة تباعًا لمكان الإقامة.
وبدءًا من شروق شمس يوم التاسع من ذي الحجة، يبدأ حجاج بيت الله الحرام في التدفق إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم، وهو الوقوف بعرفة، بعد أن يقضوا يوم التروية (8 ذي الحجة) في مشعر منى.
ويوم عرفة من أعظم أيام الله، تغفر فيه الزلاّت، وتجاب فيه الدعوات، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين، وجعله الله كالمقدمة ليوم النحر، وقد وردت في فضائله ومآثره والأعمال المشروعة فيه -للحاج ولغير الحاج- أحاديث نبوية عديدة، فلماذا شرع الله الوقوف بعرفة وما الحكمة منه؟
"الحجّ عرفة"
عرفات أو عرفة منطقة مستوية تقع خارج حدود الحرم المكي عند حدوده من الجهة الشرقية على بعد نحو 20 كلم من مكة المكرمة غربي المملكة العربية السعودية. وإجمالي مساحتها 10.4 كلم2، وقد وضعت علامات تبين حدودها.
وقيل: إن عرفات سميت بذلك لأن الناس يتعارفون فيها، أو لأن أمين الوحي جبريل عليه السلام طاف بالنبي إبراهيم عليه السلام وكان يريه المشاهد فيقول له "أَعَرَفْتَ؟ أَعَرَفْتَ؟"، فيرد إبراهيم "عَرَفْتُ، عَرَفْتُ"، كما قيل غير ذلك في سبب التسمية.
ويعد الوقوف بعرفات ما بين طلوع فجر ومغرب شمس يوم التاسع من شهر ذي الحجة أعظم مناسك الحج ولا يصح دونه كما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة"، وهي كلها موقف للحجاج لقوله عليه الصلاة والسلام: "عرفة كلها موقف".
ويقول د. زياد مقداد أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية: إن الوقوف بعرفة من أعظم المشاهد التي يقف فيها المسلم بين يدي ربه ويناجيه، إضافة إلى أنهم يؤدون منسك ما كان للحج أن يقبل إلا به.
ويبين أن يوم عرفة من أعظم أيام الدنيا، كما أخبر نبينا محمد: "خير يوم طلعت عليه الشمس"، وما هذه الخيرية إلا بما تتنزل فيه من رحمات وتُغفر فيه الزلات ويُقبل فيه من دعوات ويتوب فيه ربنا على المخطئين من توبات، وفيه يغتاظ الشيطان أشد الغيظ، لكثرة ما يرى من مغفرة الله وتوبته على عباده.
ويؤكد مقداد أنه بمجرد وصول الحاج إلى أرض عرفة في أي لحظة فإنه يحتسب له وقوفًا، حتى لو كان في جزء من الليل، كما رجَّح العلماء، أما لو فات هذا اليوم ولم يطأ الحاج جبل عرفة فقد بطل حجّه وعليه أن يعود في العام الذي يليه.
الأعمال المستحبة
وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر، رضي الله عنه، مرفوعًا أيضًا: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي، فلم يُر يومٌ أكثر عتقًا من النار، من يوم عرفة".
ويضيف مقداد أن من عظمة يوم عرفة أن الله أقسم به في كتابه، فهو المقصود باليوم المشهود في قوله تعالى: "والسماء ذات البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود" (البروج 1-3)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة" (رواه الترمذي وحسّنه الألباني).
وذهب بعض المفسرين إلى أن يوم عرفة هو الوتر الذي أقسم الله به في قوله "والشفع والوتر"، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- "الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة".
ويستحب لغير الحاج في هذه الأيام، وفق د. مقداد، الإكثار من الطاعات والتهليل والتكبير والصدقات غير أن صيام يوم عرفة أعظمها كونه يكفّر سنة ماضية وسنة قادمة.
ورُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذه الأيام، فحكم صيامها لغير الحاج سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن حكم صيام الحاج في هذا اليوم، يفيد مقداد، بأنه لا يُشرع له صيام هذا اليوم، كي لا يشقَّ على نفسه في أداء باقي المناسك التي تأتي بعد الوقوف بعرفة، كرجم الجمرات وغيرها.
يواصل حجاج بيت الله الحرام الوصول إلى البقاع المقدسة لأداء مناسك الحج لهذا الموسم، وتفيد المديرية العامة للجوازات في السعودية أن عدد الحجاج القادمين عبر المنافذ الدولية للمملكة بلغ أكثر من مليون و600 ألف حاج، ويتوقع أن يبلغ العدد نحو 2.3 مليون حاج قادمين من نحو 160 دولة.