بعد مرور 75 عامًا على تهجير سكان قريتي لفتا ودير ياسين عام 1948، قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي القيام بخطوة تهدف إلى محو تاريخ القريتين من الذاكرة، فوافقت بلدية الاحتلال في مدينة القدس على مشروع بناء حرم جامعي للمستوطِنات "المتدينات والحريديات" من التيار الأرثوذكسي المتطرف على أنقاض تلك القريتين.
تمت الموافقة على هذا المشروع بعد تأييد وزارتي "التعليم العالي" و"الإسكان والاستيطان" له، وتقدر تكلفته التقديرية بنحو 120 مليون دولار. سيشمل الحرم الجامعي مساحة تبلغ حوالي 13 دونمًا من أراضي قريتي لفتا ودير ياسين، وحتى الآن تم جمع 70 مليون دولار دعمًا لهذا المشروع، وفقًا لتصريحات بلدية الاحتلال.
طمس القرية
وقال رئيس هيئة الموروث الثقافي لقرية لفتا المهجرة، يعقوب عودة، إن جذور قريته يعود تاريخها إلى العهد الكنعاني، وعلى مر العصور غُير اسمها مرات عدة، وبعد احتلال القرية في عام 1948 أصبحت أراضيها معرضة للنهب والتهويد، ما أدى إلى تهجير سكانها من أراضيهم.
وأوضح عودة في مقابلة مع صحيفة "فلسطين"، أن الإعلان عن بناء حرم جامعي على مساحة 13 دونمًا من أراضي قريتي لفتا ودير ياسين المهجرتين يعد جزءًا من سياسة التهويد الشاملة التي تسعى لتغيير المكان بشكل كامل ومحو الآثار التاريخية للقرى العربية التي هدمتها في عام 1948 العصاباتُ الصهيونية.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال لم تكتفِ بتهجير سكان قرية لفتا في عام 1948 وإقامة المستوطنات على أرضها، بل تسعى أيضًا إلى طمس الهوية العربية للموقع والمكان بإقامة أكبر حرم جامعي عليها، وهو ما يعكس سياسة استمرارية الاحتلال في محاولاته لتهويد الأراضي الفلسطينية وتغيير هويتها الثقافية.
وأكد عودة أن هذه المحاولات تستهدف تغيير التركيبة السكانية في القدس، وتنفيذ مخططات عنصرية تهدف إلى محو الهوية العربية والفلسطينية لأهالي قرية لفتا. وتشمل هذه المخططات إنشاء مبانٍ غريبة مثل الحرم الجامعي، وزيادة عدد المستوطنين في القرى والأحياء المحيطة بالقدس، بهدف تحقيق السيطرة الكاملة على المنطقة.
وأوضح أن سلطات الاحتلال نشرت مخططًا استيطانيًا في الشهر الماضي، يتضمن بناء 10 مبانٍ على أراضي قرية لفتا في منطقة السمار شمال حي الشيخ جراح، إضافة إلى إقامة 500 وحدة استيطانية على مساحة 29 دونمًا.
خطان متوازيان
المختص في شؤون الاستيطان، بسام بحر، أكد أن سلطات الاحتلال تعمل منذ سنوات على تنفيذ خطتين متوازيتين لتعزيز سيطرتها على القدس، تهدف الأولى إلى إقامة حزام استيطاني يحيط بالمدينة والمسجد الأقصى، في حين تستهدف الخطة الثانية الاستيطان داخل المدينة نفسها، وكلتاهما تهدفان إلى سلب المزيد من الأراضي من المقدسيين، وتغيير التوزيع الديموغرافي للمدينة وتهويدها.
اقرأ أيضاً: “نتنياهو” يعطي الضوء الأخضر لزيادة الاستيطان بالضفة
وأشار بحر لصحيفة "فلسطين"، إلى أن إقرار إقامة حرم جامعي على أراضي قريتي "لفتا ودير ياسين" يعد استكمالًا لمشاريع الاحتلال الاستيطانية، ويأتي ذلك في إطار بناء الحزام الاستيطاني الذي يهدف لتعزيز سيطرة الاحتلال على مدينة القدس وتهجير سكانها الأصليين.
وأكد بحر أن وتيرة التهويد في مدينة القدس وأحيائها تتسارع، وأشار إلى أن سلطات الاحتلال أصدرت خلال الشهر الحالي قرارات مصادرة أراضٍ وبناء مستوطنات جديدة في القدس، وهذه الخطوات تعزز التوجه العام لتغيير هوية المدينة وتركيبتها الديموغرافية عن طريق الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وإغراقها بالمستوطنين.
ونبه إلى تصاعد الجهود العنصرية لسلطات الاحتلال في تضييق الخناق على المقدسيين وأحياء القدس المختلفة، وأشار إلى مشروع "وادي الجوز هاي تك"، المعروف أيضًا باسم "وادي السيليكون" الاستيطاني، الذي يهدف إلى مصادرة 2000 دونم من الأراضي وهدم 200 منشأة وورشة صناعية في وادي الجوز، إضافة إلى إقامة مستوطنة "كدمات تسيون" على أراضي بلدة جبل المكبر جنوب القدس.
وبين أن هدف إقامة المشاريع الاستيطانية في محيط مدينة القدس هو تحقيق تغيير ديموغرافي في المدينة بهدف جذب عدد أكبر من المستوطنين إلى المدينة وتفريغها من سكانها الأصليين، ما يؤثر في التوازن السكاني والديموغرافي فيها.
وأوضح بحر أن سلطات الاحتلال تنتهج سياسات متعددة لتضييق الخناق على المقدسيين، بما في ذلك سياسة الهدم ومنع البناء واعتقال السكان وفرض الغرامات والإبعاد، إذ تُوجَّه هذه الضغوط والإجراءات لدفع المقدسيين للرحيل عن مدينتهم المقدسة وتفريغها من سكانها الفلسطينيين.