أهَمُّ أحكام الذكر في أيام العشر في خمسة بنود:
أولاً/ إنَّ الذِّكر في أيام العشر من ذي الحجة، وخاصة التكبير ورفع الصوت به، مستحبٌ في الْمساجد، والبيوت، والطرقات، والأسواق، وأماكن العمل، وفي كل موضع يَجوز فيه ذكرُ الله تعالى؛ إظهاراً للعبادة، وإعلاناً بتعظيم الله عز وجل؛ لقوله تعالى: (.. وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ..) سورة الْحج (28)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " الأيامُ الْمعلوماتُ أيامُ العَشر"، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما مِنْ أيامٍ أعـظمُ عند الله ولا أحبُّ إليه العملُ فـيـهِـنَّ من هذه الأيام العَـشر، فأكْــثـِروا فيـهِـنَّ من التـَّـهـلِـيل والتـَّكْـبـيـرِ والتـَّحمـيد " أخرجه أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ثانياً/ يُستحَبُّ للرجال رفعُ الصوت بالذكر، والْجهرُ به، وتـُخْفِيْهِ النساء؛ فقد ذَكَرَ البخاريُّ أنَّ ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهم كانا يَخرُجان إلى السوق في أيام العشر يُكَبِّران، ويُكَبِّرُ الناس بتكبيرهِما.
ثالثاً/ والذِّكر في أيام ذي الْحجة نوعان:
(1) ذِكرٌ مطلق: ويكون عاماً في كل زمان، ومكان يُشرع فيه ذكر الله، ولا يكون مقيداً بأدبار الصلوات، ويبدأ من أول ذي الْحجة، وينتهي عصر آخر أيام التشريق (13 ذو الْحجة) .
(2) ذِكرٌ مُقيَّدٌ: ويكون في أدبار الصلوات، ويبدأ من صلاة فجر يوم عرفة، وينتهي عصر آخر أيام التشريق.
وهذ يفيد أن الذكر من أول ذي الْحجة إلى نهاية اليوم الثامن يكون مُطلقاً، ومن فجر اليوم التاسع (عرفة)، إلى عصر آخر أيام التشريق يكون مطلقاً ومقيَّداً.
رابعاً/ لقد باتَ التكبيرُ في هذا الزمان من السُّنَنِ الْمهجورة، أو العَمَلِ الذي يُسْتـَحيَا مِنْهُ، لا سيما في أول أيام العشر، فلا تكادُ تسمَعُه إلا من القليل، فينبغي الْحِرصُ عليه، والْجهرُ به؛ تعظيماً لشعائر الله، وإحياءً للسُّنَّةِ، وتذكيراً للغافلين، ولا شك أنَّ إحياءَ ما اندَثرَ من السُّننِ أوْ كَادَ، فيه ثوابٌ عظيمٌ، دَلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " مَـنْ أحـيَـا سُنَّــةً مِنْ سُنَّـتي، قد أُمِيتَتْ بعدي، فإنَّ له مِنِ الأجرِ مثـلَ مَنْ عَــمـِـلَ بـِها، مِن غيـر أن يُنقـِصَ مِنْ أجـُورِهـِم شـَيـْئــاً "، أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن عوف الْمزني رضي الله عنه .
خامساً/ وبِما أنَّ الناسَ لا يُحيُون شعيرة التكبير الْمُطلق في هذه الأيام، فإنني أدعو إلى إحيائها في الْمساجد، ولا أجِدُ حَرَجَاً أنْ يُكَبِّرَ الناسُ في أدبار الصلوات؛ لدخول هذه الأوقات في عموم الذِّكْرِ الْمشروع زماناً ومكاناً (الذكر الْمطلق).
لكن لو جعلنا التكبير في اليوم مرتين أو ثلاثاً في أعقاب الصلوات، ومرتين أو ثلاثاً قبل إقامة الصلاة، لكان خَيْراً؛ منعاً للدخول في صورة التكبير الْمُقيَّد، فنُوصَفُ بالْمُبتدِعين، وإحياءً لِشعيرة التهليل والتكبير والتحميد؛ لئلا تضيعَ هذه الشعيرةُ بالكُلِّيَّةِ بِمنع التكبير في أعقاب الصلوات، بدعوى البِدعَةِ، ومُخالَفةِ السُّنـَّةِ.
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال، ورفع لنا بها الدرجات.
مفتي محافظة خان يونس
الشيخ/ إحسان إبراهيم عاشور