فلسطين أون لاين

"دار هناء".. حين تتحول جذوة عشق الحرف العربي للوحات فنية

...
"دار هناء".. حين تتحول جذوة عشق الحرف العربي للوحات فنية
طولكرم-غزة/ مريم الشوبكي:

تبدأ حكاية "دار هناء للخط العربي" من الحريق الذي اشتعل بداخل صاحبته هناء حمارشة من طولكرم شمال غرب الضفة الغربية، مع سنوات دراستها الأولى في كلية الهندسة تجاه الحرف العربي، واللغة، والتاريخ، ذلك الحريق أشعل والدها شرارته الأولى في طفولتها، حين كان عليها أن تتمرن وأن تدرس الخط العربي من مراجعه الأصيلة وأساتذته.

في ذلك الوقت كان عليها الموازنة بين استخدام مصروفها الأسبوعي لسد حاجاتها الأساسية وبين شراء قلم واحد للخط العربي وورق مصقول بقيمة عشرة شواقل. ذلك المبلغ بالرغم من ضآلته إلا أنه كان مرهقًا جدًا، فإذا لم توزع مصروفها بالشكل دقيق فإنها بالتأكيد ستعود إلى بيتها في محافظة ثانية عن موقع جامعتها بيرزيت مشيًا على الأقدام.

شريك الموهبة

سرى الحرف العربي في نفس هناء مجرى الدم في العروق، حتى قالبت في كُليتها زوجها هادي الصدر الذي كان مغرمًا بكل ما يتعلق باللغة العربية والموسيقى الشرقية، "فهو من دفعني ووضعني على أولى درجات سلم النجاح. شاركني الطموح والأحلام حتى نجاحنا في افتتاح دار تمزج بين الخط العربي، والأنغام الشرقية، ولا نزال نقطف ثمار هذا النجاح منذ خمس سنوات".

وتقول: "تمر السنوات ويتعمق حب الخط العربي في داخلي. ولا يعبر يوم قط في حياتي دون أن أخط لوحة أو جزءًا منها. أنشر مخطوطاتي على صفحتي بشبكة فيسبوك وتنتشر على نطاق واسع".

وتتابع: "حينما أبحرت في التاريخ والأدب والقراءة عن تطور الفنون في جميع الأمم أدركت أن الذي أمتلكه جميل جدًا وقابل للتطور وبت مغرمةً به".

والحروف التي تخطها هناء تتنفس حياة وكلماتها تتحدث عن معانيها. روح تبثها مع أول قطرة حبر لترسم تفاصيل هندسية عربية المبنى والمعنى.

مخاوف ونجاحات

في سبتمبر/ أيلول 2019 افتتحت الدار أبوابها في حفل مهيب، علّقت عليه هناء بأن الإقدام على ذلك كان "مغامرةً غير محمودة العواقب، وربما عدّها البعض مالًا جزافًا يُضخ ويُرمى في الدار".

وتضيف متحدثة عن مخاوفها في حينه: "لا أخفيكم مقدار الرعب الذي كان في داخلي من المبالغ التي ضُخت في المشروع، وإنني عند تعليق لافتة دار هناء مرضت لثلاثة أيام وتسرى الشك إلى قلبي، وتشابكت الأسئلة في رأسي، ماذا لو كانت مبيعاتنا أقل من تكاليفنا الشهرية؟ ماذا لو فشلنا؟ ستكون تلك الرصاصة التي ستقتل كل ما في داخلنا من أحلام".

وتردف هناء: "كان لدينا تخوف من قدرة الناس على تقبل الفكرة ورؤيتها لجمال الخط العربي الذي نريد توصيله للجمهور. تفاجئنا بعد افتتاح الدار بأنهم يحبون الخط العربي ويلفتهم جدًا، وهم بحاجة لمن يقدمه لهم".

وتلفت إلى أن النجاح كان واجبًا، لأن نجاحها وزوجها هو أمل يولد في داخل كل حالم وطموح وسائر على دربهم.

واستطاع الزوجان بكل مشاعرهما أن يقربا الخط العربي إلى مختلف الفئات، فكتبا للإنسان بمختلف أحواله، وكتبا للحب وللوطن، واستطاعا الدخول بلوحاتهما الخطية إلى المئات من أجمل البيوت، وأفخمها.

لم يكتف هناء وهادي بلوحات الخط العربي، بل يقدمان قطعًا جلدية تخط عليها الحروف العربية لتزيدها تألقًا وجمالًا، حتى باتا الشريكين لأكبر المنتجين للقطع الجلدية اليدوية في الضفة الغربية.

وتشير إلى أن الدار بدأت بشخصين، واليوم تضم فريقًا من ستة موهوبين لديهم مهام متعددة، "وسنعمل على زيادتهم مستقبلًا".

نقطة مفصلية

بعد عام على افتتاح الدار ولد "يوسف" فكان نقطة مفصلية في مسار حياة هناء، كما تخبر، "كان ملهمًا لي أولًا، وفي الجدية تجاه ما نصنع للأجيال القادمة التي عليها أن تحمل حب اللغة العربية، وأن تعتز بها".

وتختم هناء حديثها بأن الدعاء الأكثر تفضيلًا وترديدًا على لسانها "ربي هب لي حمدًا، وهب لي مجدًا"، مشيرة إلى أنه لا مجد إلا بفعال ولا فعال إلا بمال، "لم يكن المال همنا الأول، ولكن طموحنا الأكبر أن نكون ممن ينفع الناس فيمكث في الأرض، وأن تمتد جذورنا الصادقة في كل مكان، وأن نظل جنودًا مجندين فخورين بلغتنا، وحضارتنا، وعربيتنا".