يحافظ متحف شجرة الدر في البلدة القديمة بمدينة الخليل على هويته التاريخية رغم ما يتعرض له من اعتداءات إسرائيلية، ويعد واحدًا من أهم المتاحف الفلسطينية الشاهدة على العديد من الحقب المتعاقبة على فلسطين.
يعود المتحف الواقع في منطقة الزاهد بالقرب من ساحة البلدية القديمة لعائلة عبد النبي النتشة، وكان يطلق على هذا المكان (بابور) يطحن البذور وتحويلها إلى طحين كعمل يومي، وفق جبر الرجوب مسؤول المواقع الأثرية في وزارة السياحة والآثار في الضفة الغربية.
ويذكر أن المتحف المبني عام 1925 ضم معصرة للزيتون وهرسه، وكانت من أكبر المعاصر الموجودة في الخليل وأكثرها إنتاجًا للزيت، وكانت تسمى معصرة عبد النبي.
ومبنى المتحف مكون من طابقين، الأول عبارة عن متحف شجرة الدر بمقتنياته وأدواته وخدماته، والطابق الثاني مدرسة أساسية.
ونظرًا للوظائف التي كان يقوم بها (بابور)، فقد كان مقصدًا للمزارعين من القرى والبلدات المجاورة والمدن القريبة من الخليل أيضًا، برغم ما كان يتعرض له من اعتداءات إسرائيلية قبل الاهتمام به وتحويله إلى متحف، وفق الرجوب.
ويمضي بالقول: "هذا يعطينا أيضًا أهمية القيمة الاقتصادية التي كان أهل الخليل محافظين عليها وتوارثوها والتي لا زالت موجودة في مدينة الخليل كواحدة من أهم المدن الاقتصادية الفلسطينية والتي تضم أهم المصانع في جميع المجالات".
مكونات المتحف
ويتخذ المتحف شكلًا مستطيلًا بمساحتين تمتد من الشمال إلى الجنوب بسقف جملوني مرصوف بحجارة مكحلة جوانبها ارتفاعه 58 سم، ما يساعد في تهويته، إلى جانب شبابيك المتحف العالية والمرتفعة، وبداخله العديد من الأحواض والقواعد التي كانت توضع عليها الحجارة المستخدمة في الطحن والهرس، والخيش التي كان يعصر فيها الزيت ويصفى في الأحواض.
ويلفت الرجوب إلى أن الحفريات الأثرية أثبتت أن المداميك والأساسات ونظام وطرز البناء الموجودة فيه يرجع للفترة العثمانية المتأخرة وبداية الفترة البريطانية، "فشكل بناء المتحف يتخذ نمط البلدة القديمة في مدينة الخليل والتي تعود إلى الفترة المملوكية والعثمانية والاحتلال البريطاني".
ويبين أن متحف شجرة الدر يتكون من جزئين، مبنى أول والمبنى بشكل كامل هو عبارة عن مستويين من الأرضي المستوى يبدأ الأول في أثناء الدخول من البوابة الرئيسية للمتحف.
ويضيف: "من يدخل المتحف يجد أحواضًا عديدة على الجهة اليسرى من الداخل، وبأحجام مختلفة كانت تخصص لوضع الزيتون لغسله وتنظيفه قبل هرسه"، مشيرًا إلى أن الحفريات الأثرية كشفت عن بعض الأحواض الأخرى التي كانت تستخدم لتخزين الحبوب التي كانت تهرس وفي الغالب كانت هذه الحبوب عبارة عن ذرة وقمح.
ويوضح أنه يوجد في أحد الغرف التي تقع في المنطقة الشمالية من المتحف مخزن ويعلو هذه الغرفة غرفة أخرى ربما كانت تستخدم مكانًا لنوم للعاملين في البابور.
وشهد المتحف في عام 2015 عملية تنظيف وتأهيله وإعادة ترميمه بالتعاون بين عدة جهات وافتتاح المتحف، وعرضت فيه الأدوات والمقتنيات التي كانت تستخدم في عصر الزيتون وطحن الحبوب، واللقى الأثرية.
سميت المدرسة باسم شجرة الدر تيمنًا بأول سلطانة في الإسلام حكمت مصر في الفترة المملوكية، وواجهت حكم الصليبيين، ولحق الاسم بالمتحف أيضًا.
اعتداءات المستوطنين
ويشير الرجوب إلى أن متحف شجرة الدر مثله مثل بقية المواقع الأثرية تعرض لاعتداءات المستوطنين في الخليل، "ولكن نظرًا لبعده عن مناطق تجمع وسكن المستوطنين، فإن الاعتداءات عليه تكون أقل من غيره من المواقع الأثرية".
ويستدرك بالقول: "لا يسلم أي موقع من اعتداءات المستوطنين في الخليل بشكل خاص وبفلسطين بشكل عام، فخلال شهر سبتمبر للعام ٢٠٢٢م اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه موقع الحمام التركي الواقع في قلب البلدة القديمة في الخليل، وقامت بسرقة محتوياته، وتدمير قطع أثرية كانت بداخله".
ويلفت إلى منع سلطات الاحتلال طواقم وزارة السياحة والآثار الفلسطينية من إجراء أي أعمال ترميم وتدخل للسطح الخارجي لمتحف شجرة الدر لكونهم يقيمون ثكنة عسكرية فوقه، "الأمر الذي يجعل الموقع يعوم بالماء في فصل الشتاء نتيجة تسرب المياه من فتحات القباب أعلى السطح".
ويشدد الرجوب على أهمية تلك الأماكن الأثرية والمتاحف التي تحفظ الهوية الفلسطينية، وتعكس تراث الشعب الفلسطيني وتحفظه من الضياع والسرقة، "إذ يحمل متحف شجرة الدر قيمة تاريخية لما يحتويه من أدوات".