آلية عسكرية إسرائيلية متطورة من نوع "النمر" مليئة بالثقوب تقف بإطارات تالفة عاجزة عن التحرك، بعد نجاح المقاومين في تفجيرها بعبوة ناسفة، ما أدى إلى إصابة 7 جنود بداخلها بين متوسطة وخطيرة، ومشهد آخر لمركبة أخرى تُسارع خطاها للخروج من طريق ممتلئ بالعبوات، هكذا كان حال جيش الاحتلال خلال اقتحامه مخيم جنين أمس.
وفي وقت اعتقد الاحتلال أنّ الضربات السابقة وأدَت المقاومة، وجدها أكثر دقة وتنظيمًا وتطورًا في المواجهة، ما أجبره على استخدام الطائرات المروحية لأول مرة منذ عام ٢٠٠٢، وهو ما يعده خبراء عسكريون ومحللون خلال حديثهم مع صحيفة "فلسطين" قفزة نوعية في العمل المقاوم ستجبر الجنود على الترجل من الآليات والمواجهة المباشرة مع المقاومين الذين يتحلون بإرادة عالية في الدفاع عن مدنهم ومخيماتهم بالضفة.
"مزّقت ظهر النمر" كان هذا تعليق المراسل العسكري لموقع "والا" العبري أمير بخبوط على استخدام العبوات الناسفة في مخيم جنين. وعلى الرغم من تهديدات وزراء حكومة الاحتلال المتطرفة بشنّ عملية واسعة على جنين خلال الأسابيع السابقة، فإنّ صحيفة "هآرتس" العبرية أشارت لوجود خلافات بين المستويات الأمنية والسياسية، موضحة أنّ "جهاز الشاباك يعارض شنّ عملية عسكرية واسعة شمال الضفة لسببين؛ أولهما تطوّر كبير في قدرات العبوات التي يتم صنعها في جنين ومحيطها، والثاني مخاوف من انتشار التوتر في بقية مناطق السلطة".
اقرأ أيضًا: ارتفاع عدد شهداء مجزرة الاحتلال في جنين أمس إلى ستة
تطور نوعي
ورأى الخبير العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات أنّ استخدام سلاح "العبوات" يعكس تطورًا في أداء المقاومة ومهارة الميدان لدى المقاومين، وما استخدم أمس ربما يكون بداية لظهور أنواع أخرى متطورة من سلاح العبوات قد تُستخدم خلال الأسابيع المقبلة.
وقال عريقات لصحيفة "فلسطين": إنّ "أهمية العبوات الناسفة تكمن في قدرتها على إعطاب الآليات التي تحمل الجنود، وعليه تعطي مجالًا للمقاومين لإجبار جنود جيش الاحتلال على النزول من الآليات والمواجهة المباشرة، كما حدث بإعطاب أحدث الآليات العسكرية من نوع "النمر" وهي مُحدّثة ومُحصّنة ضد العبوات".
وأضاف أنّ قدرة العبوات الناسفة الفلسطينية المُصنّعة محليًّا استطاعت إعطاب تلك الآلية وإخراجها عن الخدمة وإحداث إصابات في صفوف الجنود بداخلها، وهذا يؤدي لخسائر في الأرواح والمعدات وضرر في معنويات الجنود الآخرين الذين شاهدوا الآليات تتفجّر وأصبحوا في حالة رعب. ورأى أنّ المواجهة المباشرة على الأرض تُحدِث خللًا في ميزان القوى بين المقاومة التي تمتلك أسلحة متواضعة وإرادة قوية، مع جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح، وهذا يُضعف معنوياته، ويُعزّز الروح المعنوية للمقاومين.
وعن فشل محاولات الاحتلال لوأد المقاومة، ربط عريقات ما جرى في جنين أمس واعتراف أجهزة الاحتلال الأمنية والاستخبارية بأنّ كل الإعدامات والاعتقالات لم تؤثر في تنامي المقاومة، بل زادت أداءها، وأوصت بشنّ عملية واسعة على غرار معركة جنين عام 2002، لكنّ أطراف في دولة الاحتلال تتحفظ عليه وتخشى الخسائر الكبيرة.
مأزق الجنود وعلى غرار استخدام المقاومين سلاح العبوات الناسفة الذي يُمثّل تطورًا نوعيًّا، كان لافتًا استخدام الاحتلال سلاحه الجوي الحربي من الطائرات المروحية التي قصفت أهدافًا في جنين، إضافة لتحليق طائرة حربية من نوع f16، وهذا ما يعدُّه عريقات تعبيرًا عن مأزق يعيشه الاحتلال في مواجهة المقاومة.
وبشأن قدرة المقاومة على الثبات والتطور رغم كلّ الضربات، يعتقد عريقات أنّ المقاومين أخذوا على عاتقهم التصدي للاعتداءات الإسرائيلية بشجاعة فهم يخوضون معركة عقول يستطيعون خلالها استنباط وسائل المقاومة.
في حين رأى الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أنّ استخدام العبوات الناسفة ليس أمرًا جديدًا، مشيرًا إلى أنه منذ انتعاش حالة المقاومة بالضفة واصلت استخدام العبوات في عدة مرات، لكن من الواضح وجود تطور أفضل وإعادة ترتيب في طرق الاشتباك مع الاحتلال، وهو أفضى لنجاح عملية التفجير التي أوقعت إصابات.
ورأى عرابي لصحيفة "فلسطين" أنّ نجاح التفجير ووقوع خسائر قد يدفع الاحتلال للتفكير باستخدام أدوات جديدة في مواجهة حالة المقاومة بالضفة، وهو فعليًّا بدأ بذلك بإدخال سلاح الطيران لأول مرة منذ انتهاء انتفاضة الأقصى بقصف المقاومين الموجودين في مخيم جنين.
كما يدرك الاحتلال بحسب المختص في الشأن الإسرائيلي شادي ياسين خطورة استخدام سلاح العبوات الناسفة، لكونها تعمل على الحد من اقتحام المخيمات والمدن، وتُعدُّ قفزة نوعية في العمل المقاوم نظرًا لقدرتها على إحداث إصابة مباشرة في الآليات.
ونقل ياسين لصحيفة "فلسطين" عن تقارير إعلامية عبرية تحدثت عن جودة العبوات المستخدمة من ناحية فنية، لافتًا، إلى أنّ الاحتلال لم يستطع النيل من المقاومة عبر الضربات المتتالية لها، كما أنه لم يستطع النيل من الشعب الفلسطيني منذ احتلال فلسطين، لأنّ المقاومة فكرة مُتجذّرة في ذهن كل فلسطيني.