فلسطين أون لاين

تقرير تحولات الثوب الفلسطيني.. من الجديد إلى ثوب الانتفاضة ثم التسليع

...
الثوب الفلسطيني
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

كان للاضطرابات السياسية في النصف الأول من القرن العشرين، وما ترتّب عليها من تغيّرات اجتماعية واقتصادية أثر واضح في شكل وطراز لباس الفلسطينيين، وقد طرأت تحوّلات عميقة على استخدامات التطريز ومعانيه حتى وصلت إلى مرحلة تسليعه بشكل كبير.

وتشير معظم الأبحاث التاريخية عن التطريز الفلسطيني إلى تغيّرات واسعة في الممارسات التقليدية للتطريز، في إثر الأحداث المأساوية التي سبقت النكبة عام 1948 وتزامنت معها ولحقت بها. 

ويفيد المسرد الزمني الفلسطيني بأن الضائقة الاقتصادية التي سبقت النكبة وتزامنت معها ولحقت بها أدّت إلى ندرة إنتاج الأثواب الجديدة في أواخر الأربعينيات وفي الخمسينيات؛ بل إن بعض النساء اللاتي كن بحاجة للنقود اضطررن إلى بيع أثوابهن. 

"الثوب الجديد"

وفي الستينيات من القرن الماضي ظهر في المخيمات شكل جديد من الأثواب سمي "الثوب الجديد"، والجديد في هذه الأثواب هو أنها في معظم الأحيان كانت تطرّز بأكملها باستخدام الغرزة المصلَّبة، مع المزج بين الرسومات الفلسطينية والأوروبية بأسلوب تجريبي اندمجت فيه الألوان بطريقة جديدة.

ويوضح المسرد أن هذا النمط الفني المختلَط عكس التبادل الثقافي داخل مخيمات اللجوء، إذ انكشفت للنساء أنماط متنوعة جدًّا للتطريز ونماذجه وتنسيقاته من مختلف المناطق الفلسطينية، فبدأن في أخذها وإدراجها في أعمالهن اليدوية. 

ويشير إلى أن توافر مجلات الأشغال اليدوية الأجنبية، والألوان الجديدة لخيوط التطريز القطنية أنتج شكلًا جديدًا للثوب، "الذي إن بدا فلسطينيًّا من دون شك، فلم يكن من الممكن تحديد منطقته في فلسطين، وكأنه من لا مكان وكل مكان في فلسطين في آن واحد".

وبحلول السبعينيات اتخذت العديد من المؤسسات المجتمعية قرارًا بضرورة الحفاظ على التراث الفلسطيني في مواجهة التهديد المزدوج المتمثّل في الاندثار (نتيجة التهجير والحداثة)، وسرقته من الاحتلال الإسرائيلي، وفقًا لإفادة المسرد، الأمر الذي ساهم في تسييس التطريز، وتثبيت مكانته أحد أهم رموز الهوية الوطنية. 

تسييس الثوب الفلسطيني

وكان ظهور "الثوب الجديد" الخطوة الأولى نحو تحوّل التطريز من ممارسة محليّة تعبّر عن البلدة الأصلية والوضع الاجتماعي إلى رمز يعبّر عن الهوية الوطنية الفلسطينية، ففي نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات ولد من انتفاضة الحجارة الشعبية ما بات يُعْرَف وقتَها بـ"ثوب الانتفاضة"، كما يذكر الناقد الفني يوسف الشايب في مقاله: "التطريز الفلسطيني" و"ثوب الانتفاضة" وأشياء أخرى.

ويبين أن ثوب الانتفاضة زُين بتطريزات تُبرِزُ خريطةَ فلسطين وعلَمَها وقبّةَ الصخرة وأغصان الزيتون وغيرها من الرموز الوطنية، وقد ظهر بدايةً في قضاء الخليل، وانتشر لاحقًا في سائر قرى فلسطين، بل تعدّاها إلى الخارج، خاصةً في تلك التجمُّعات التي يتجمع فيها الفلسطينيّون بقارّات العالم المختلفة.

ويذكر المسرد الزمني الفلسطيني أن النساء الفلسطينيات تحدين المنع الإسرائيلي المفروض على رفع العلم الفلسطيني بتزيين أثوابهن الجديدة بتطريز العلم الفلسطيني، وخريطة فلسطين، والبندقية.

تسليع التطريز

من جانب آخر، يقول مهند حامد في كتابه "الصناعات التراثية في الأراضي الفلسطينية": "إن نحو 4000 امرأة فلسطينية يعملن في حرفة المطرزات، بدعم من مؤسسات نسوية، وهؤلاء النسوة ينتجن العديد من الأصناف مثل: الوسائد، والأثواب، والسترات، والشالات، والحقائب، ومفارش الطاولات، وأطواق الشعر، واللوحات، وساعات الحائط، وغيرها، باستخدام الغرزة المصلَّبة وفق الأشكال الهندسية الرمزية القديمة وبتشكيلات لونية أرساها الثوب الجديد".

ويضيف: "إن هذه المبادرات وفرت للنساء دخلًا يعد زهيدًا قياسًا بالجهد المبذول، لكنها أسهمت أيضًا في تسليع أعمال التطريز الفلسطيني، وباتت هذه المنتجات بكل مستويات جودتها يقتنيها الأثرياء الفلسطينيون أو غيرهم، للتعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، أو لإبراز الهوية الوطنية". 

واليوم تغرق المحال التجارية بالأقمشة والأثواب الجاهزة المطرزة بالماكينة بالغرزة المصلَّبة أو غيرها، بأسعار في متناول الجيل الجديد من النساء الفلسطينيات.