لا يزال المواطن باسم عودة من "كفر ثلث" يعاني أوجاعًا في معظم أنحاء جسمه بعد تعرضه للضرب المبرح من المستوطنين الإسرائيليين الذين انقضّوا على قريته دون سابق إنذار، فتصدى لهم الشباب والأهالي لكنهم وبحماية جيش الاحتلال اعتدوا على المواطنين بالضرب والتكسير، الأمر الذي أدخل عددًا منهم للمستشفيات.
ففي الخامس من الشهر الجاري شهدت "كفر ثلث" اعتداء موسعًا من المستوطنين على أهالي القرية، بادعاء أن هناك بقرة لهم سرقها أهل القرية، ليتّخذوا ذلك ذريعة للاعتداء على المواطنين بالضرب تحت حماية جيش الاحتلال.
يقول عودة: "منذ أن أتى مستوطنون من ما يسمى شبيبة التلال للاستيطان في محيط القرية ونحن لم نعد نأمن على أنفسنا وأهلنا من اعتداءاتهم المتكررة، فقد اعتدوا عليّ بالضرب المبرح لمجرد أنني حاولت منعهم من تكسير ممتلكاتنا".
ويشير إلى أن المواطنين في القرية لم يعودوا يشعرون بالأمن، "بتنا نخشى الخروج ليلًا، أو التأخر خارج القرية خشية أنْ ينقض المستوطنون على بيوتنا وأسرنا كما فعلوا في مناطق أخرى، وتحت أعين جنود الاحتلال المدججين بالسلاح".
فقرية "كفر ثلث" التي تقع على تلة إلى الجنوب الشرقي من مدينة قلقيلية كانت إلى فترة طويلة هادئة نسبيًا إلا أن الاستيطان الذي أحاط بها كـ"السوار بالمعصم" خاصة بعد قدوم مستوطنين من "شبيبة التلال" مؤخرًا يمثل خطرًا كبيرًا على أراضي القرية ومواطنيها.
أصبحت القرية ذات الجذور الكنعانية محاطة بمُستوطنات "ألفيه منشيه" و"كرنيه شمرون"، ما يحول دون قدرة المواطنين على التمتع بالخرب التاريخية الموجودة فيها، ومنها: رأس عطية، ورأس طيرة، والضبعة، وأبو سلمان، والأشقر.
تاريخ كنعاني
وتضم القرية آبارًا كنعانية وأماكن أثرية مثل "مغارة الجمل" التي تتسم بطابع ديني، إلى جانب الآثار الرومانية والخرائب، إضافة إلى الآثار الاسلامية حيث بُني فيها الجامع العُمري الذي زالت آثاره، في حين نقلت حجارته القديمة للبيوت المجاورة.
وبعد عام 2002م وبناء جدار "الفصل العنصري" سلب الاحتلال مساحات شاسعة من أراضي القرية –وفق رئيس بلدية كفر ثلث عبد اللطيف مراعبة- "فعزل الجدار خِرب الضبعة، ورأس عطية، ورأس طيرة، ووادي رشا خلفه، واقتطع أيضًا مساحات شاسعة منها لمصلحة مستوطنة "ألفيه منشة" التي أقيمت في أوائل ثمانينيات القرن الماضي".
ويضيف: "القرية يسكنها قرابة 6600 نسمة، وهي ممتدة على مساحة 24.5 ألف دونم، وتقع على الطريق الواصل بين محافظات رام الله ونابلس وقلقيلية".
ويصف مراعبة الوصول للأراضي خلف الجدار بالمعاناة الكبيرة، "الاحتلال وضع ثلاث بوابات تحجز 1700 دونم من أراضي القرية خلفها، لا يسمحون لنا بالدخول إلا لأيام محددة، في موسم حصاد الزيتون لوقتٍ لا يكفي للحراثة أو الري، بالكاد نقطف الثمار فقط".
أما في بقية أيام السنة فلا يُسمح لنا بدخول أراضينا، "الأرض آخذة بالتصحر، لم يعد يزرع الأهالي فيها الحبوب والبقوليات، فقط ما تبقى في الأراضي هو الزيتون، الذي يتدهور إنتاجه من عام لآخر، لأننا لا نتمكن من العناية بالأشجار وتقليمها وحراثة الأرض".
ويتابع: "ويحاولون تدريجيًا مصادرة الأراضي خلف البوابات، حيث منعوا أصحاب جزءٍ منها مدة ستة أشهر من دخولها لكنهم انتزعوا قرارًا من "محكمة العدل العليا" بالدخول إليها، لكن الاحتلال لم يتوقف عند هذا الحد فأغلق إحدى البوابات إغلاقًا دائمًا، ويضطر أصحاب الأراضي خلفها إلى سلوك طرق التفافية (أكثر من 12 كيلومترًا للوصول إليها)".
فما يحدث في "كفر ثلث" –كما يراه مراعبة- هو جزء من اغتصاب الأرض بالقوة الذي تمارسه (إسرائيل) منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1948م، "فنحن نملك أوراقًا ثبوتية بملكية أرضنا، التي يشهد كل حجر وشجر فيها على أننا أصحابها لكن ذلك لا يشفع لنا أمام محتل غاصب كل هدفه هو انتزاع الأرض منا".
وما عقَّد الأمور في القرية هو قدوم مستوطنين من "شبيبة التلال" الذين يتنقلون بين القرية والقرى المحيطة، ويرعون أغنامهم في مساحة كبيرة من آلاف الدونمات ما يمثل خطرًا كبيرًا على المزارعين، "يأتون للاعتداء على المواطنين بين الفينة والأخرى، بذرائع مختلفة، ويضربون المواطنين ويروعونهم ويحرقون سياراتهم، ويخربون ممتلكاتهم".
ويعاني أهالي "كفر ثلث" من تكدس الأبنية داخل "المخطط الهيكلي" (1087 دونمًا)، إذ لا يُسمح لهم بالبناء خارجه، كما أنهم يكتوون بنار المواجهات شبه اليومية التي تحدث عند بوابة "عزون" الواصلة بين قلقيلية ونابلس.