تفرض دولة الاحتلال سياسات عدوانية مختلفة على شعبنا الفلسطيني تحت وطأة التهديد والإرهاب المستمر، في إطار سعي الاحتلال لكسر إرادة الفلسطيني وإجباره على الرضوخ والاستسلام، والخنوع أمام الوقائع التي يفرضها على مدار الساعة، ظنًا منه بأن تصعيد العدوان بجميع الصور والطرق يمكن أن يدفع شعبنا للتراجع والتخلي عن حقوقه المشروعة، لكن يثبت التاريخ وفي كل المحطات أن إرادة شعبنا فولاذية، وربما أقوى من ذلك، بعد أن واجه شعبنا أقوى قوة في منطقة الشرق الأوسط، واستطاع أن يحقق أمامها إنجازات مختلفة، ولا يزال يوجه لها الضربات دون خشية أو تردد، وهذا خير دليل على بطولة شعبنا واستعداده الدائم للمواجهة وتقديم التضحيات، وفي ذات الوقت فإن ذلك يثبت بأن الاحتلال عاجز عن تحقيق أهدافه أمام تصميم وإصرار شعبنا.
إذ لا يمكن لهذا العدو أن ينجح بأي صورة وتحت كل الظروف في تحقيق أهدافه، وإن بدى له أنه يتقدم على الأرض، إلا أن الحقيقة تقول أن الفلسطيني هو صاحب الأرض وهو من سيقرر مصير الاحتلال طال الزمن أم قصر، في ظل استمراره في الدفاع عن أرضه، وتشبثه بحقوقه المشروعة، وتقديمه للتضحيات المتواصلة واستعداده لتقديم المزيد دون أي تردد، بالرغم من فارق القوة الكبير، واستمرار الدعم الأمريكي والغربي لهذا الاحتلال، إلا أن الإرادة الفلسطينية قادرة على تحطيم هذا الكيان وإفقاده صوابه، وقد فعلت وتفعل في محطات عدة، وما يحدث من مواجهة مفتوحة معه في مختلف المناطق خير دليل على ذلك.
لذلك وفي ظل عجز الاحتلال عن تحقيق أهدافه لجأ إلى (سياسة هدم المنازل) إلى جانب سياسات عدوانية أخرى كان منها؛ "الاعتقال الاداري، والأحكام العالية، والإبعاد، والاغتيال، ومصادرة الأراضي، والإغلاق للمنشآت، والغرامات، والمنع من السفر، والإقامة الجبرية"، وغيرها من صور العدوان التي تتنوع وتتصاعد مع مرور الوقت، يجري ذلك على مرأى ومسمع من العالم، وكل دعاة الحرية، لكن ذلك لا يحرك في ضمائرهم ووجدانهم شيئًا، لغياب العدالة الدولية، التي تبقى متفرجة حال ارتكبت أبشع الجرائم في الأراضي الفلسطينية، في حين تكون مواقفها مغايرة حال دفاع الفلسطيني عن نفسه واستهدافه الجنود والمستوطنين وإيقاعه فيهم خسائر مباشرة في إطار دفاعه المشروع عن نفسه وأرضه وحقوقه.
وفي هذا الإطار فإن الاحتلال قد ضاعف من عدوانه في مدينة القدس وهي أكثر المناطق استهدافًا من ناحية: فرض سياسة هدم المنازل، ومنع المقدسيين من البناء، ومصادرة الأراضي، مع السماح بالبناء اليهودي سواء كان ذلك للمستوطنات أو غيرها من المنشآت والمرافق، وهذا يعني أنه يريد وبشكل واضح تهويد المدينة، وتفريغها من سكانها الأصليين، وكسر إرادة المقدسيين بجميع الطرق، وجعل حياتهم جحيم لا يطاق، بعد أن أثبتوا قدرتهم على الصمود ونجحوا في تحدي الاحتلال.
وقد فرضت هذه السياسة منذ العام 1967 وازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، وركزت على السعي الدائم لتغيير الواقع الديمغرافي، والديني، والتاريخي القائم في المدينة، ولا زالت مستمرة وتتصاعد مع مرور الوقت، ويستخدم الاحتلال المنازل كعقاب لأصحابها، إذ يهدمها من أجل ترحيلهم، أو يُرحلهم ثم يهدمها أو يجعلهم يقومون بهدمها ذاتيًا؛ وهذا من أصعب مشاهد القهر الذي يمارسها الاحتلال وهو يجبر العائلة على هدم منزلها بنفسها وإلا كانوا تحت تهديد الاعتقال والغرامة، إلا أن المقدسيين وبالرغم من هذه الظروف الصعبة والحرجة إلا أنهم صامدين وقادرين على التحدي والمواجهة.
لكن من المهم وفي هذا الإطار العمل الجاد على دعم المقدسيين في مواجهة سياسات الاحتلال وتعزيز صمودهم بشتى الطرق، وحشد كل الإمكانات والطاقات لإسنادهم، وتسليط الضوء على هذه الجرائم المنظمة والممنهجة، وفضح ممارسات الاحتلال، والاستعداد الدائم للدفاع عنهم بكل ما يملك شعبنا من أدوات، وقد فعلت المقاومة في غزة ومعها مختلف ساحات الوطن ما يمليه عليها الواجب في الدفاع عن القدس والمقدسيين في مختلف المحطات وفرضت في سبيل ذلك معادلة واضحة، إذ أن العدوان على القدس والأقصى هو بمثابة اعتداء على قطاع غزة وعلى مختلف ساحات الوطن يستدعي ردًا يوازي هذا العدوان، وكان من أبرز تجليات ذلك (معركة سيف القدس) والتي فرضت خلالها قواعد اشتباك كسرت أنف العدو وأفشلت أهدافه، ولا يزال هذا السيف مشرعًا في مواجهة العدو.