أكد باحثون ومراقبون أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مرت بإستراتيجيات وتحولات عدة منذ تأسيسها في عام 1987، وحتى الوقت الحاضر، إذ نجحت في المزج بين العمل السياسي والمقاومة.
وأوضح هؤلاء أن المسار الذي اتبعته "حماس" على مر السنوات يعكس رؤية إستراتيجية ثاقبة، ما جعلها تشكل رقمًا صعبًا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، داعين الحركة إلى الحفاظ على هذا الإرث ومواصلة مسيرة العطاء.
جاء ذلك في الجلسة الأولى من المؤتمر العلمي السياسي "حماس بين ثقل الإرث وجسامة التحديات"، الذي نظمه مركز غزة للدراسات والاستراتيجيات، إذ نوقشت ورقة بحثية بعنوان "المسار الإستراتيجي لحماس والمآلات الممكنة" في مركز رشاد الشوا بمدينة غزة.
وذكر الباحث السياسي ومُعد الورقة البحثية الدكتور أسعد جودة أن الورقة تناولت المسار الإستراتيجي لحركة حماس عبر منظور معايش ورصد موضوعي ومتابعة ميدانية.
واستعرض جودة سبع إستراتيجيات رئيسية اعتمدتها حماس في مسارها الإستراتيجي. أولًا، استهلت مسيرتها بالإعلان الرسمي والانخراط في العمل الوطني، وركزت على أهمية تمثيل الإسلام المقاوم في المشهد السياسي ودعم القضية الفلسطينية في ظل الصراع القائم.
وبحسب جودة كان تأسيس حماس نقلة نوعية قوية، إذ أصبحت القوة السياسية للإسلام واقعًا. والإستراتيجية الثانية رفضها اتفاق أوسلو وإفرازاته، مشيرًا إلى أن الاتفاقية كانت ضربة للمقاومة الفلسطينية التي كانت تتحرك في الداخل الفلسطيني.
وأضاف جودة أن الإستراتيجية الثالثة كانت مشاركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، في حين اعتمدت الإستراتيجية الرابعة على الصمود وتحمل نتائج الانتخابات.
والإستراتيجية الخامسة أنه بالرغم من الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، استطاعت حماس مزاوجة الحكم والعمل المقاوم، وتوفير أقصى ما يُمكن من حياة كريمة للشعب الفلسطيني.
وأوضح جودة أن الإستراتيجية السادسة لحماس تركزت على التطوير والتصنيع، إذ تمكنت من تطوير قدراتها العسكرية بالرغم إغلاق الأبواب في وجهها. وأخيرًا، أصبحت الحركة الآن جزءًا من محور المقاومة القوي، وليست وحدها، ما يجعلها عصية على الكسر ولا يمكن تجاوزها.
اقرأ أيضاً: حماس تُحمّل الاحتلال المسؤولية عن إشاعة الجريمة في الداخل
وفي ختام ورقته البحثية، دعا جودة إلى تشكيل لوبي عربي إسلامي دولي، بهدف تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وحثّ على تكثيف الجهود مع القوى الوطنية والإسلامية في مواجهة الاحتلال.
شرعية المقاومة
في تعليقه على الموضوع أكد القيادي في حماس الدكتور محمد المدهون، أن الحركة كانت موجودة قبل الانطلاقة الفعلية لها في عام 1987. وأشار إلى أنها كانت في مرحلة تأسيسية تجاه مشروع المقاومة، ويمكن تسمية تلك المرحلة بـ "الشرعية الدعوية"، نظرًا لتركيزها في ذلك الوقت على العمل الدعوي.
وأوضح المدهون أن المرحلة المرتبطة بالانطلاقة الفعلية لحماس تمثل شرعيةً أخرى اكتسبتها الحركة، وكان لها حضور في الشارع الفلسطيني في تلك المرحلة.
وأكد أن دخول حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 أدى إلى تعزيز حضورها دوليًا وعربيًا وإقليميًا. وأشار إلى أن حماس اكتسبت الشرعية الانتخابية، ما أعطاها زخمًا كبيرًا نظرًا لتوليها الحكم عن طريق صناديق الاقتراع.
وذكر أنه منذ عام 2007 وحتى الوقت الحالي، شكّلت مرحلة متداخلة لدى حماس، إذ عاشت في أثنائها حصارًا وعدوانًا إسرائيليًا متكررًا، وتطورًا في المقاومة، ما جعل غزة عنوانًا مهمًا.
وأكد أن فترة حكم حماس في غزة تعد "مرحلة صبر إستراتيجي ومقاومة"، تسببت في آلام للاحتلال في مراحل متعددة، وأدت إلى تمكن غزة من أن تصبح قوة مقاومة تزعجه.
وشدد المدهون على أهمية منح الضفة الغربية ثقلًا أكبر وتعزيز دورها، وهو ما حدث في العامين الماضيين، مع التأكيد على ضرورة استنهاض المحيط الفلسطيني.
وأوضح أن حماس أولت اهتمامًا كبيرًا للمقاومة وتطويرها، وأن وجودها في الحكم جاء في سياق حالة المغالبة والتحدي، مؤكدًا أن موقفها السياسي تحول من مجرد الدفاع إلى اتخاذ مبادرات وصناعة الموقف.
تحولات إستراتيجية
وقال الباحث والخبير في الشؤون الإستراتيجية الدكتور إبراهيم حبيب، إن التحول الإستراتيجي الأول لحماس كان عندما قررت دخول الانتخابات، إذ لم تكن تعد الانتخابات إستراتيجية في حد ذاتها وإنما كانت وسيلة لتعزيز الفعل المقاوم.
وأوضح حبيب أن هذا التحول جاء بعد حوارات القاهرة في عام 2005، التي كان الهدف منها "إدخال حماس إلى بيت الطاعة"، ضمن إطار السلطة الفلسطينية، بناءً على افتراض أنها لن تحصل على الأغلبية في الانتخابات.
وأشار إلى أن النتائج جاءت معاكسة للتوقعات، إذ فازت حماس بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية عام 2006، وأوضح أن عدم رضا العديد من المواطنين وأفراد الأجهزة الأمنية عن سلوك حركة فتح ساهم في فوز حماس في هذه الانتخابات.
وأكد حبيب أن فوز حماس في الانتخابات شكّل مرحلةً فارقةً في تاريخ الشعب الفلسطيني، وأشار إلى أن الحركة تعرضت لقوة مسلحة من حركة فتح وأجهزة السلطة كرد فعل على دفاعها عن شرعيتها.