قائمة الموقع

مهدي قرش.. حارس تراث صوتي عمره نصف قرن

2023-06-14T09:12:00+03:00
المقدسي قرش

في محلٍ صغير لا تتجاوز مساحته ثمانية أمتار، ترتص جدرانه الثلاثة بكاسيتات وإسطوانات لا يُعرف عدد لها بشكل مرتب ومنمق، حتى سقفه لم يُترك منه سوى مساحة لمصباح إضاءة يتوسطه، لكن يُعلم بأن أقدمها يعود لعام 1901.

يتمسك المقدسي مهدي قرش (68 عامًا) بأقدم محل لبيع إسطوانات الأغاني المصرية القديمة، وأشرطة التسجيل التي تتنوع بين الأغاني والأناشيد والقرآن الكريم، ويعد متجره أصغر محل في البلدة القديمة. 

"هذا المحل مثل عيني، لا أقدر أن أعيش بدونه"، بهذه الجملة بدأ حديثه عن مدى ارتباطه في المحل الذي افتتحه عام 1972 وبدأه كهواية في نهاية ستينيات القرن الماضي.

هواية الزمن الجميل

يقول لصحيفة "فلسطين": "بطريقة لا شعورية ودون وعي بدأت بتجميع الكاسيتات والأشرطة والاحتفاظ بها، وفي أثناء متابعتي للبث المباشر لبعض الاحتفالات الغنائية لعبد الحليم وأم كلثوم أعمل على تسجيلها".

وبعد مدة من تجميعها شخصيًا دون هدف تجاري أو مادي راودت قرش فكرة فتح محل تجاري يحتوي على كل ما قام بتجميعه وتسجيله ليكون بمثابة مكتبة سمعية كبيرة أطلق عليها اسم "نجوم الفن"، ولم يتوقف عند ذلك بل كان يرفدها بكل ما هو جديد، فالاحتفالية التي تُبث أو تُذاع ليلًا يكون لها في صبيحة اليوم التالي تسجيل صوتي يمكن لأي شخص اقتنائه.

ويضيف: "أحببت العمل في المجال وبذلت جهدي وطاقتي في توفير كل ما هو مميز، وكان العمل في هذه المهنة ممتازًا، يقف الناس طابورًا على باب المحل منتظرين دورهم في الحصول على النسخة، والانتهاء من تسجيل الكاسيت".

ويصف العمل في هذه المهنة التي تسير في عروقه بـ"المتعب والممتع" بذات الوقت، "فهي هواية في دمي، لم أفكر بالتمسك فيها يومًا لأجل التجارة والمال بقدر تحقيق شغفي ومتعتي، رغم أني كنت الوحيد في البلدة القديمة الذي يبيع الكاسيتات"، وفق حديثه.

لم يتوقف الأمر بالمقدسي قرش عند حدود تسجيل أو التجميع من منطقة إقامته، بل سافر إلى العديد من الدول العربية كمصر وسوريا وتونس والأردن للحصول على كل ما هو مميز وغريب وليس موجود، مشيرًا إلى أن أكثر الأماكن التي كان يجد فيها ما يبحث عنه في مدينة حلب السورية، إذ كان فيها مجموعة من الأشخاص الذين يسلكون ذات الطريق". 

دخل محدود

يمتلك قرش كاسيتات لقرّاء قدامى للقرآن الكريم كمصطفى إسماعيل، ومحمود الحصري، ومحمد رفعت وغيرهم ممن لهم قيمة وقراءتهم نادرة، ولديهم مقامات صوتية وصوت مميز. 

وبالرغم من التغير القائم والتطور التكنولوجي إلا أنه لم يغير شيئًا بمتجره في ظل إغلاق غالبية المحلات التي افتتحت بعده بسبب الأوضاع الاقتصادية، "الاشي صار بدمي ولا يمكن أستغني عنه".

ويلفت إلى أن العمل في المتجر تقلص بنسبة 90%، فلا يرتاد المحل سوى قلة من الناس الذين يأتون لطلب شيء معين، "ورغم ذلك لا أستطيع تركه الأمر ينبع من داخلي، تصلني إغراءات مالية من البعض يطلبون شراء المكتبة بشكل كامل إلا أني أرفضها قولًا واحدًا".

وفي أثناء وجوده في متجره يجري قرش ترتيبات يومية يستمع فيها لتعليقات البعض من الزبائن أو تجار آخرين بقولهم "شو اللي مقعدك في هيك محل؟ حرام عليك تضيع وقتك فيه؟" وغيرها التي يصم آذانه عنها ويكمل عمله فيه.

ويلفت إلى أن الإيراد الذي يتحصل عليه لا يمكن أن يغطي مصاريف المحل، "فلا أعتمد عليه في توفير مصاريف البيت التي يساعده فيها أبنائه، ولكن عندما تتعلق بشيء ليس من السهل تركه إلا إذا فرق بينك وبينه الموت".

وبالرغم من امتلاء المحل بالأسطوانات والكاسيتات فالداخل إليه لا يعرف بدايته من نهايته، إلا أن قرش يستطيع إيجاد طلب الزبون بظرف ثواني قليلة، "فكيف أتوه عن شيء بيني وبينه عشرة عمر، وروح الحياة".

اخبار ذات صلة