محاولات مستمرة من السلطات الصهيونية من أجل نزع الهوية الإسلامية والتاريخية من مدينة القدس وفرض طابع مستحدث جديد وهو الطابع اليهودي من خلال وسائل تهويد القدس التي تستخدمها سلطات الاحتلال وهي الاستيطان ومصادرة الأراضي حيث تعمل سلطات الاحتلال على بناء وتوسيع المستوطنات اليهودية في القدس وضواحيها بهدف تغيير التركيبة الديمغرافية للمدينة والسيطرة على أراضيها عدد المستوطنات في القدس حسب إحصائيات مركز أبحاث الأراضي 29 مستوطنة.
ومن وسائل التهويد التي تستخدمها دولة الاحتلال تهجير الفلسطينيين وسحب الهويات حيث تُفرض قوانين وإجراءات تُقيّد حقوق المقدسيين في التمتع بالإقامة والتنقل والتعليم والصحة والخدمات، كما تقوم بعمليات هدمٍ للمنازل والمباني بذرائع مختلفة مثل عدم الترخيص أو التهديد، ومن الوسائل الملتوية التي تعمل من خلالها دولة الاحتلال لمؤسسة التهويد إصدار القوانين حيث تصادق السلطات الصهيونية على قوانين تشرعن سلطتها على القدس وتحولها إلى عاصمة موحدة للاحتلال، ومن أبرز قوانين التهويد:
1-قانون القومية: هو قانون صادق عليه الكنيست عام 2018 ويُحدّد دولة الاحتلال بأنها “دولة قومية للشعب اليهودي” وتعطي اللغة العبرية حالة خاصة وتحتفظ بالحقّ في تقرير المصير للشعب اليهودي فقط، كما يُشجّع على تطوير المستوطنات اليهودية وهذا القانون أثار انتقادات واسعة من قِبل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والفلسطينيين والأقليات داخل دولة الاحتلال الصهيوني.
2-وقانون التنظيم والتخطيط: هو قانون صدَّق عليه الكنيست عام 2017 ويهدف إلى تشريع مئات المستوطنات غير الشرعية التي بُنيَت على أراضٍ خاصة بالفلسطينيين في الضفة الغربية، وذلك بإعطاء المستوطنات حالة قانونية وتعويض المُلّاك الفلسطينيين بأموال أو أراضٍ أخرى و هذا القانون يُخالف القانون الدولي والإنساني والمعاهدات التي اعترفت بها دولة الاحتلال الصهيوني.
3-قانون حامية المدينة: هو قانون صدَّق عليه الكنيست عام 2014 ويرمز إلى مدينة القدس، وهو يحدد أغراض خاصة لحماية مدينة القدس من التغيرات التاريخية، والثقافية، والديمغرافية، والجغرافية، كما يحظر نقل أيّ سلطة في مدينة القدس إلى جهة غير دولة الاحتلال، كما يحظر تغيير حدود مدينة القدس دون تصديق ثلث أعضاء الكنيست وهذا القانون يتعارض مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التى تؤكد ضرورة احترام حالة المدينة المقدسة.
ومن محاولات التهويد استمرار الانتهاكات بحقّ المسجد الأقصى حيث تقوم جماعات الهيكل والمستوطنين بمداهمات واقتحامات متكررة للمسجد الأقصى وتحاول تغيير وضعه التاريخي والديني والقانوني، كما تمنع المصلين الفلسطينيين من دخوله أو تفرض عليهم قيودًا وشروطًا والآن يطرح مشروع قانون هليفي في الكنيست الصهيوني لمحاولة فرض التقسيم المكاني للمسجد الأقصى أسوة بما فعلوه في المسجد الإبراهيمي ضمن خطة خطيرة تستوجب التحرك العاجل لنصرة المسجد الأقصى.
وإذا ما فكرنا في الحالة التي ينتهجها قادة الاحتلال في مسيرة التهويد ضد كل ما هو فلسطيني يمكن تقسيم الآليات الممكنة لمواجهة التهويد إلى ثلاثة مستويات:
- أولًا: المستوى الفلسطيني: يتطلب من الفلسطينيين الصمود والتمسك بحقوقهم وهويتهم في وجه الاحتلال مزيدًا من العمل المقاوم على تعزيز الوحدة الوطنية والتضامن الشعبي والتنظيم السياسي والاجتماعي، والتصدي للمخططات الصهيونية بكلّ الأشكال والحفاظ على التراث التاريخي والديني والحضاري لفلسطين انطلاقًا من مبدأ المقاومة الشاملة.
- ثانيًا: المستوى العربي والإسلامي: يتطلب من الدول العربية والإسلامية دعم القضية الفلسطينية بشكل فعال ومستمر، سواء على المستوى السياسي أو الدبلوماسي أو المالي أو المجتمعي، والتضامن مع المقدسيين والفلسطينيين في مواجهة التهديدات التي تطال حقوقهم وأرضهم، والضغط على الاحتلال لإلزامه بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، والتصدي لأيّ محاولات لتشريع أو تطبيع التغيرات التي تفرضها سلطات الاحتلال على الأرض بداية من رفض التطبيع مع الاحتلال الذي يُعدُّ خدمة مجانية للاحتلال وغطاءً سياسيًّا للإرهاب الصهيوني، كما لا يمكن إغفال أهمية التحالفات بين قوى المقاومة والتي برز على رأسها محور المقاومة باعتباره قوة ردع للاحتلال و قوة حقيقية لا يمكن تجاوزها.
- ثالثًا: المستوى الدولي: يتطلب من المجتمع الدولي تحمُّل مسؤولياته تجاه فلسطين كقضية عادلة وشرعية، و الضغط على الاحتلال للعمل على تنفيذ مئات القرارات التي لم تصل لميدان التنفيذ وكذلك العمل على حماية المدنيين الفلسطينيين من انتهاكات وجرائم المستوطنين وإنفاذ قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على حقّ فلسطين في تقرير المصير بما في ذلك مدينة القدس كعاصمة لها، وإجبار الاحتلال على التخلي عن سياساتها التوسعية والاستعمارية وتهويد القدس والأراضي الفلسطينية، ودعم جهود التحرير الفلسطينية وأن تعمل البرلمانات وجماعات الضغط المناصرة للقضية الفلسطينية من أجل فضح الانتهاكات المنهجية التي تقوم بها الإدارات الصهيونية المتعاقبة.
وفي الختام تبقى المقاومة الشاملة السبيل الأصوب والطريق الأمثل لاستعادة الحقوق وانتزاعها من احتلال ليس له حدود وليس له دستور ولا يعترف إلا بلغة القوة، فما أُخذ بالقوة لن يُستردَّ إلا بالقوة وكلنا ثقة بحكمة المقاومة وأصالة منهجها في الدفاع عن الشعب الفلسطيني والسير نحو معركة وعد الآخرة والتحرير.