ظلّت الشابة ريم ريشة لعدة سنوات تبحث عن مجال للعمل تمارس فيها شغفها بعيدًا عن الوظائف التقليدية التي لا تستطيع الانتظام فيها بسبب أعبائها الأسرية، إلى أن اهتدت لتطويع مادة "الإسمنت" العنيدة لتصنع منها تحفًا فنية تزين البيوت.
يعود الأمر لعام 2017م عندما أنهت "ريشة" دراستها الجامعية للتصميم الداخلي وحصلت على وظيفة لم تتمكن من الاستمرار فيها بعد حملها الصعب بطفلها الأول، ما منعها من العودة للعمل الوظيفي.
لكن حُلمها بعمل يلبي شغفها وبعمل تسعد بالعمل فيه لا مجرد وظيفة ظل يراودها إلى أنْ اهتدت لفن "تشكيل الإسمنت" الذي تعرفت إليه عبر شبكة "الإنترنت"، إذ إنه معروف في الدول الغربية، "ظللتُ أراقب هذا الفن عبر الفيديوهات المنشورة على منصة يوتيوب وأحاول سبر أغواره، وأجرب مرة تلو المرة".
وتضيف: "بعد ستة أشهر من التجريب والمحاولة، وقفتُ على أسرار هذا الفن الجميل، وتعلمتُ أساسياته، لم يكن الأمر سهلًا لعدم وجود أي جهة تجيده هنا، أو يمكن أن أحظى بتدريبٍ داخلها حوله".
وتتابع: "أصبحتُ مهووسة بهذا الفن، أتتبع كل جديد فيه وأطبقه. أكثر عقبة وقفت أمامي هي التوصل لكيفية تلوين هذه القطع وحمايتها من الكسر والتلف، وأنْ تكون قابلة للغسل دون أنْ يذهب لونها، ومعرفة النسب الدقيقة لإنتاج قطع بالصلابة المطلوبة".
أسرار الصنعة
إصرار ريم على التعلم مكنّها من الحصول على أسرار "الصنعة" حتى تمكنت من إخراج مشروعها للنور وتسويقه عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ شهر مايو في العام الماضي، "لكن الخوف ظل ملازمًا لها بألا يلقى هذا الفن الجديد قبولًا بين الناس، خاصة أنها تسوقه إلكترونيًا، وقد لا يقتنع الزبائن بتجربة اقتناء أي قطعة دون لمسه ورؤيته قبل شرائه".
وعلى عكس توقعاتها، أقبل الناس على شراء المشغولات اليدوية الجديدة من نوعها، "أحبها الناس كما يحبون كل شيء غريب ومميز، وأحبوا إهداءها لمعارفهم، خاصة أنه يمكنهم التحكم بالألوان، فأنا ألوّن القطع وفق ذوقهم الشخصي".
وتصنع ريم حاليًا من "الإسمنت" صواني و"كوسترات" وتحف و"شمعدانات"، وتستثمر المناسبات لصنع ما يشبع رغبة الزبائن بكل جديد كأهلّة رمضان، مبينة أن العمل في القطعة الواحدة يستغرق ما بين ثلاثة أيام لأسبوع حسب ضغط العمل والطلبات لديها، "فالقطعة بحاجة لوقت لكي تجف، وكذلك مادة الحماية يجب أن تجف، ثم أقوم بتغليفها لكي تكون جاهزة للتسليم".
وتشتري "ريم" الإسمنت من السوق المحلي أما الألوان ومواد الحماية فتستوردها من الولايات المتحدة الأمريكية لعدم توفرها، وبعد أن ينام أطفالها مساءً تختلي بموادها وتبدأ في صنع القطع المطلوبة، مشيرة إلى أن التلوين يكون على مرحلتين بين الأولى والثانية ساعتين.
وفي كل مرة توصل ريم القطعة إلى الزبون تنتظر على أحر من الجمر ردة فعله، "أشعر براحة وسعادة كبيرين عندما يثني على القطعة ويخبرها بأنها أجمل مما توقع ومن الصور التي أرسلتها له مسبقًا".
وقد عرضت عليها محال تجارية أنْ تعرض لها منتجاتها داخلها لكنها رفضت الفكرة فهي تريد أن يشتري منها الزبائن مباشرة وأن يتعرفو عليها، ويعرفو أنه يمكنهم أن يختاروا ما يريدون من مشغولات والألوان التي يريدونها.
وقالت: "اخترتُ كبديل عن ذلك المشاركة في المعارض المحلية لأكون موجودة بجانب مشغولاتي ويتعرف عليّ الناس مباشرةً، تمهيدًا للوصول لمرحلة يكون لديها محلها التجاري الخاص بها".
إصرار كبير
ويتراوح ثمن القطع التي تصنعها ريم بين 10 إلى 200 شيقل حسب حجمها ومقدار الجهد المبذول في إنتاجها، وفي المقابل ترى في مشروعها الخاص ليس مجرد مصدر للدخل فقط، بل إِشباع لرغباتها بأن تكون منتجة، "فهو عمل أحبه ليس مجرد عمل أن يكون لأجل المال، بل هو بمثابة استراحة لي في يومي المليء بالمسؤوليات".
وعن مدى استفادتها من تخصصها في مشروعها، تبين "ريم" أن تخصصها في الديكور كان يتطلب منها ألا تنام لأيامٍ متتالية من ضغط الدراسة فيه، كما أنه عبارة عن عمل يدوي، إذ تسلم المشاريع يديويًا، "وهاتان النقطتان تتشابهان فيهما دراستي مع مشروعي".
وتنصح "ريم" الشباب والشابات بأن يبحثوا عن العمل الذي يحبونه، ولا يخافون من الفشل بل يكرروا البحث مرة ثم أخرى، "في النهاية سيصلون لغايتهم ما دام الإصرار موجودًا".