حتى الساعة العاشرة من مساء 31 مايو/ أيار الماضي، ظل إبراهيم الرنتيسي ينتظر خروج شقيقه "فخر" المعتقل لدى جهاز المخابرات التابع للسلطة بعد حصوله على قرار إفراج من محكمة الصلح برام الله.
وعندما أدرك "إبراهيم" أنه لن يتم الإفراج عن شقيقه، غادر المكان وعاد إلى منزله وهو محتار كيف سيخبر أطفال شقيقه الذين يجهشون بالبكاء بين الحين والآخر.
وبالتزامن مع ذلك، أخرج أفراد مخابرات السلطة "فخر" من المقر عدة أمتار ثم أعادوه للداخل في محاولة للتحايل على قرار المحكمة بالإفراج، واعتقاله على تهمة جديدة وهي "حيازة سلاح".
واعتقلت مخابرات رام الله "فخر" في 29 مايو/ أيار الماضي، وعرضته على النيابة التي مددت اعتقاله إلى 48 ساعة، وحولته للمحكمة وطلبت تمديد توقيفه 15 يومًا بتهمة "تلقي أموال غير مشروعة"، وعندما طلب قاضي المحكمة ملف التحقيق من النيابة، ولم يتضمن أي مؤشر أو اعتراف على التهمة الموجهة "أخلى سبيله".
يقول الرنتيسي لصحيفة "فلسطين": إن جهاز المخابرات لم ينفذ قرار المحكمة التي أقرت بإخلاء سبيل "فخر" مرتين، معبِّرًا عن خشيته من أن توجه "السلطة تهمة ثالثة له".
ويعمل "فخر" محاسبًا للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) وهو ما يجعل التهم الموجه إليه غير واقعية أو منطقية، خاصة تهمة "حيازة السلاح".
ولحظة تسليم الشهادات المدرسية، يأمل أطفاله أن تلتزم مخابرات السلطة بالإفراج عن والدهم، ليشاركهم فرحة النجاح، يعلق شقيقه بقهر: "كانوا يتوقعون أن يفرج عنه، خاصة أنه لم يعتقل إلا مرة سابقة عام 2015".
4 قرارات
ولم يكن رفض جهاز المخابرات الإفراج عن الرنتيسي هو الأول، فقد رُفضت أربعة قرارات إفراج صدرت عن "محكمة العدل العليا" للإفراج عن المدرس مؤمن فتحي قرعاوي من مخيم نور شمس شرق طولكرم المعتقل في سجن أريحا "المسلخ" منذ 33 يومًا.
لم يقترف قرعاوي الذي يعمل مدرسًا ذنبًا أو مخالفة، بل وجهت له السلطة تهمة وزجته بمعتقلاتها رغم أنه لم يمضِ على تحرره من سجون الاحتلال سوى 21 يومًا.
يقول والده فتحي قرعاوي لصحيفة "فلسطين": "اعتقاله في مسلخ أريحا مرهق لوالدته التي تزوره وتخرج من الخامسة صباحًا وتعود في وقتٍ متأخر من الليل، ولا يوجد سبب أو تهمة لاستمرار اعتقاله، كما أنه صدرت عدة قرارات من المحاكم للإفراج عنه لم تنفذها مخابرات السلطة".
وعد قرعاوي عدم الالتزام بقرارات المحاكم بالإفراج عن نجله "نوعًا من اللامبالاة"، وتساءل النائب في المجلس التشريعي: حول سبب استهداف السلطة عائلته رغم التزامها بالأنظمة والقوانين.
تقرير كرم هريش.. رضيعٌ يتضامن منذ أسبوع ولادته الأول مع والده المعتقل سياسيًّا
كذلك، تواصل السلطة اعتقال المطارد مصعب اشتية منذ 19 أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، ورغم صدور قرار من المحكمة الإدارية العليا في رام الله، بتاريخ 13 شباط/فبراير 2023، بالإفراج الفوري عن المطارد اشتية وبعدم قانونية توقيفه على ذمة المحافظ أو أي جهة، إلا أن أجهزة السلطة ترفض الإفراج عنه.
"حجز حرية"
وأكد الحقوقي فريد الأطرش أنه لا يوجد أي تبرير لعدم تنفيذ أجهزة السلطة لقرارات المحاكم بالإفراج، عادًّا ذلك، "انتهاكًا لحقوق الإنسان وجريمة حجز حرية ومخالفة للقانون الأساسي".
وقال الأطرش لصحيفة "فلسطين": إن ما تقوم به أجهزة السلطة "حجز حرية"، وخاصة أن هناك قرارات محاكم بالإفراج عن المعتقلين السياسيين يجب أن تحترم وتستوجب التنفيذ الفوري ولا يجوز رفضها، مؤكدًا أن رفض التنفيذ جريمة يعاقب عليها القانون.
وشدد على أن التهم المتعلقة بالاعتقال السياسي والتي منها "إثارة نعرات طائفية"، و"حيازة سلاح"، و"قذف مقامات عليا"، و"تلقي أموال غير مشروعة" باطلة وشكلية، وعدها "غطاءً من أجل توقيف المواطنين تعسفيًّا على خلفيات سياسية" تخالف القانون والاتفاقيات الدولية وهو شيء "معيب وطنيًا".
ولفت الأطرش إلى أنه لا يجوز تمديد اعتقال معتقلين سياسيين تحت أي مبررات.
من جهته، أكد الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف أن عدم تنفيذ أجهزة السلطة قرارات المحاكم، يعكس استهتارها بالسلطة القضائية.
وأشار عساف في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى تغوُّل السلطة التنفيذية على جميع السلطات من خلال التلاعب بالقضاء وسن القوانين والتدخل في التعيينات و"حل المجلس التشريعي".
وقال: إن "السلطة لا تستند لأي شرعية، وهي تخشى أن تعيد السلطات لمصدر التشريعي وهو الشعب"، معتبرًا عدم تنفيذ قرارات المحاكم "إفلاسًا للسلطة".
وشدد على أن هذا لا يتوقف إلا بمزيد من الضغط القانوني والوطني والسياسي والشعبي من أجل أن "نعود لانتخابات المجلس الوطني وانتخاب قيادة موثوقة تكون قادرة على الفصل بين السلطات لا أن تصادر كل السلطات بيدها بعيدًا عن إرادة الشعب".