"احنا صرنا بنشتغل عند البنوك" بهذا لخص أحمد الحلو أحد تجار المحروقات في قطاع غزة تأثر قطاع المحروقات بقرار سلطة النقد فرض عمولات نقدية على الإيداعات المالية النقدية في البنوك التي تزيد عن 100 ألف شيقل، مُلوحًا بوقف محطات البترول عن العمل في حال لم تتراجع "النقد" عن قرارها.
وأثار قرار "النقد" غضب قطاعات تجارية عديدة في غزة متهمين السلطة بالسعي لجني الأرباح على حساب التجار، في وقت يعاني فيه قطاع غزة أزمات متتالية تفترض تقديم تسهيلات.
الغرفة التجارية بقطاع غزة رفضت قرار سلطة النقد بفرض العمولات على السحب والإيداع النقدي، الذي يسبب الضرر للقطاع الخاص وللاقتصاد الفلسطيني ككل، في ظل الحصار والظروف الصعبة وارتفاع نسبة البطالة وعدم توفر مقومات الدفع الإلكتروني كالحسابات البنكية للمواطنين وشبكة 3G التي تجعل الأمور أكثر تعقيدًا.
وطالبت الغرفة في بيان وصل صحيفة "فلسطين" نسخة عنه، سلطة النقد بإلغاء القرار الذي لا يناسب الحالة الاقتصادية في القطاع.
في حين يحذر مراقبون ومختصون في أحاديث منفصلة مع صحيفة "فلسطين" من أن إجبار المواطنين على الدفع الإلكتروني قد يستخدمه الاحتلال كوسيلة لمراقبة الأموال والتحكم بها وحتى مصادرتها وإلصاق تهم عديدة بها.
وأكد هؤلاء أن الظروف الحالية غير المستقرة في فلسطين لا تستدعي استخدام وسائل الدفع الإلكترونية، إضافة إلى إمكانية تدرج القرار وتمدده ليشمل جميع الناس وجميع المبالغ في حال قبوله، معبرين عن تخوفهم أن يرفع التجار أسعار السلع على المواطنين لاسترداد المبالغ التي دفعوها لسلطة النقد.
قرار "كارثي"
وهدد رئيس جمعة البترول والغاز أحمد الحلو، بأنه في حال استمر القرار فإن محطات الوقود ستغلق أبوابها، ولن تقبل أن تعمل كـ"محصل للبنوك".
ووصف الحلو وهو صاحب محطات بترول لصحيفة "فلسطين" القرار بـ "الكارثة"، وقال: "عندما أدفع 2% عند كل عملية سحب و1% عن كل مبلغ إيداع، و6 شواقل عن كل شيك سأدفعه، فهذا الأمر لا يمكن تحمله"، عادًّا القرار "مجحفًا وظالمًا".
واستعرض الحلو مشاكل واجهها في أثناء عملية تداول العملات في البنوك نقدًا، موضحًا: "طلبوا مني دفع 1200 شيقل عندما طلبت سحب 600 ألف شيقل من البنك، وهذا يعني أنني سأدفع رسوم عمولات تبلغ 50 ألف شيقل شهريًا، إضافة لدفع 6 آلاف شيقل لرسوم صرف شيكات"، مقدرًا عدد الشيكات التي يصرفها يوميًا بنحو 100 شيك.
ولفت إلى أن تجار المحروقات لا يحصلون على الربح الذي تريد النقد مشاركتهم فيه، بل بالعكس يتعرضون لخسائر، مشيرًا إلى أنه راسل الجهات المعنية لدفعها للتراجع عن القرار وفي حال لم تستجب فإنه لن يكون هناك خيار أمام أصحاب شركات المحروقات سوى إغلاق المحطات.
عراقيل وأزمات
ورفض رئيس جمعية مستوردي المركبات إسماعيل النخالة، القرار مطالبًا سلطة النقد بالتراجع عنه، عادًّا إياه قرارًا مستغربًا ومستهجنًا في ظل معاناة القطاع الخاص من مشاكل عديدة تتطلب من سلطة النقد تقديم تسهيلات بدلًا من وضع العراقيل أمامه.
وقال النخالة لصحيفة "فلسطين": إن "القطاع الخاص في الضفة والقطاع يعاني مشاكل كثيرة، وتزداد أمامه العقبات يومًا بعد آخر، سواءً من خلال رفع الضرائب أو فرض رسوم جمركية على البضائع المستوردة".
وأضاف: "نحن نزاول عملنا بالضفة، ولكن توضع عراقيل بفرض المزيد من الضرائب والعمولات الكثيرة".
ولفت إلى أن الكثير من التجار ممن أوقفوا أعمالهم وهاجروا للخارج كان بسبب الإجراءات الضريبة التي تُتخذ من مرحلة لأخرى.
وحول تأثير قرار فرض رسوم على الإيداع على مستوردي المركبات، أكد أنه سيترتب على ذلك تداعيات وأضرار كبيرة تلحق بقطاع مركبات السيارات، لكون السيارة تعد من السلع مرتفعة الثمن.
وأوضح أنه في حال بيع عدد معين من السيارات فإنه ستُودع مئات الآلاف من الدولار داخل البنوك، وفي حال جمركة السيارات فستُرسَل ملايين الشواقل شهريًا لدائرة المالية برام الله عبر البنوك المحلية، وهذا سيترتب عليه الكثير من العمولات التي سيجبر التاجر على دفعها للبنوك.
وشدد على ضرورة أخذ الحالة المعيشية لأهالي القطاع في الحسبان بدلًا من فرض المزيد من العراقيل، مطالبًا، سلطة النقد بتقديم تسهيلات بدلًا من سحب جميع مقومات الصمود.
خطوة خاطئة
من جهته، قال الخبير الاقتصادي وائل العاوور: إن "القرار لا يصب في المساهمة بالتنمية، خاصة في ظل ما يعانيه قطاع غزة من إجراءات حصار وإفقار تمارسها حكومة رام الله ضد القطاع، انعدمت معها القدرة الشرائية، ما يستدعي من البنوك الوطنية الوقوف بجانب الاقتصاد الفلسطيني لتجاوز المرحلة الحالية".
وعد العاوور لصحيفة "فلسطين" القرار بأنه "خطوة في الاتجاه الخاطئ" حتى وإن وجدوا ما يبررها من ناحية إجرائية داخل البنوك، وأنها تمارس سياسة تكديس الأموال وليس استخدامها وإعادة استثمارها في القطاعات الفاعلة، إضافة إلى توقيته الخاطئ.
وردًا على مبررات القرار بأنها تدفع لتحريك المال، أوضح أن أهل قطاع غزة يودعون داخل البنوك مليارًا ونصف المليار شيقل، ولا تفعل البنوك أي شيءٍ بتلك الأموال سوى الإقراض.
ورأى أن دور سلطة النقد والبنوك يجب أن يتعدى دور الخزانة واكتناز المال وتدفيع الناس رسومًا وغرامات مالية إلى دور فاعل بالتنمية والمشاركة في مشاريع تحتاجها البلاد كالكهرباء والغذاء وتحلية المياه، لأن ما لديها من أموال مودعة تغني عن الاستعانة بأي أحد، والأصل أن تستخدم تلك الأموال وتكون شريكةً في مشاريع تساهم في التنمية.
وقال: "يفترض ألّا يتكدس مليار ونصف المليار شيقل داخل البنوك"، عادًا التكدس نتيجة طبيعية لـ"عدم قيام البنوك بدورها الوطني والشراكة بالمشاريع الإستراتيجية، واقتصار دورها على الخزانة وإقراض المواطنين، دون أي دور حقيقي في التنمية".
من جهته أكد الخبير في الشأن الاقتصادي د. نائل موسى وجود تداعيات سلبية للقرار تتعلق بفرض رسوم إلزامية على المودعين، لكنه رأى في الوقت ذاته أن قانون سلطة النقد هدفه "إحداث نوعٍ من الاستقرار المالي، لكونها مشرفةً على النظام المصرفي الفلسطيني، فأي خلل في تلك القوانين ينعكس على البنوك والمتعاملين"، وفق قوله.
وقال موسى لصحيفة "فلسطين": إن فائض الشيقل يتراكم من عدة مصادر، أبرزها العمال الفلسطينيون الذين يعملون بالداخل المحتل ويتقاضون أجورهم نقدًا بعملة الشيقل، "بالتالي يحتاج الأمر لعملة أوروبية أو الدولار الأمريكي، لتغطية تكاليف الاستيراد".
ولفت إلى أن اتفاقية باريس الاقتصادية نصّت أن تقوم البنوك الفلسطينية ونظيرتها في دولة الاحتلال بتبادل عملية "مقاصة" لتحويل العملات من الشيقل إلى الدولار، إلا أنه يشير إلى أن تأخر هذا التبادل يحدث فائضًا في عملة الشيقل.