منظر أرضها وهو ممتلئ بثمار الفقوس على أشجارها يدخل السرور على قلب المزارعة لميس مصطفى التي تعمل مع زوجها في الزراعة منذ ثلاثة وعشرين عامًا.
تزرع "مصطفى" من سهل دير بلوط، هذه الثمار على مساحة أربعة دونمات تمتلك دونمًا منها وتتضمن ثلاثة دونمات أخريات مزروعة بأصناف عديدة من الخضار، لكن الفقوس يُعد المحصول الأهم بالنسبة لها.
وتعد ثمار الفقوس من الزراعات البعلية، إذ تعتمد على مياه الأمطار، وإذ تبدأ مصطفى في زراعته في أواخر فبراير وحتى منتصف مارس من كل عام، في حين يبدأ الحصاد مطلع مايو.
ثمرة بعلية
وتقول المزارعة الفلسطينية: إنها تشعر بالسعادة لا يضاهيها أي شيء آخر كلما بدأت في حصاد محصولِها من ثمار الفقوس ذات اللون الأخضر الفاتح.
والفقوس أشبه بثمار الخيار، يستخدم في سلطة مع اللبن والنعناع، ومع سلطة الخضار بالبندورة أيضًا، ويستخدم في عمل المخللات ذات النكهة المميزة في موسمه السنوي.
وتبيع مصطفى "الفقوس" في أسواق رام الله ومحيطها، ومنذ ثلاث سنوات تستخدم أساليب الزراعة العضوية في إنتاجها دون أي استخدام للأسمدة الكيماوية.
تقول: "وجدتُ أن العودة للزراعة العضوية التي توارثناها عن الآباء والأجداد أفضل وأجدى اقتصاديًا، أشتري شاحنات من روث الأغنام والأبقار وأستخدمُها كسماد، وخفف هذا عنّي تكاليف الزراعة كثيرًا، إذ إن الفقوس محصول بعلي ولا نقوم بريّه".
وتضيف: "وجدتُ أن الاعتماد على السماد الطبيعي يجعل الأشجار أكثر إنتاجًا وتظل تُنتج لمدة أطول من التي تعتمد على الأسمدة الكيماوية، إذ تظل الأشجار تنتج حتى شهر أيلول أحيانًا، وأسوّق أيضًا بعضًا من إنتاجي عبر إحدى الجمعيات المحلية".
وتشير "مصطفى" إلى أنها تفرز محصول الفقوس لقسمين، أحدهما يباع كثمار للأكل، والآخر لتخليلِه، "ففي بداية شهر يونيو تصبح الثمار قابلة للتخليل، أقوم أنا بتخليل المناسب منها وبيعه على شكل مخلل، ما يحول دون تلف أي محصول لم يتم بيعه، بل يبقى محفوظًا كمخللٍ لمدة أطول".
لكنَّ المستوطنات الإسرائيلية الملاصقة لأرض مصطفى تعكر صفو عملها بسبب الاعتداءات المتكررة على المزروعات وعلى أسرتها، "لذلك نعمد للذهاب لأرضنا باكرًا ونحرص على إنهاء أعمالنا قبل غروب الشمس، كي نتجنب استفرادهم بنا".
جهد نسائي
من جانبه، يبين الناشط المجتمعي في مجال الدعم الزراعي داوود عبد الله، أن سهل دير بلوط من أكثر المناطق خصوبة في سلفيت، ويعد الفقوس أشهر محاصيله، مشيرًا إلى أن السهل يمتد على مساحة 1000 دونم، وهو محاط بثلاث مستوطنات إسرائيلية هي "على زهاف"، و"بدوئيل"، و"ليشم".
ويضيف: "كما يوجد حاجز عسكري على مدخل البلدة يفرض جنود الاحتلال الموجودون عليه تشديدات عسكرية على المواطنين والسماح للمستوطنين بإثارة الفوضى في المكان".
ووسط كل تلك القيود، يحافظ السهل على الزراعة بجهود قرابة 450 مزارعة من أهل القرية، إذ يعمل الرجال في الوظائف الرسمية أو في الداخل المحتل، "يقمن بزراعة الأراضي التي تمتلكها عائلاتهنَّ في السهل بقرابة عشرة محاصيل بعلية، أهمها الفقوس والقمح والثوم"، وفق عبد الله.
ويشير إلى أن أغلب المحاصيل تزرع دون أسمدة كيماوية وتنتج بكميّات وفيرة، لكن أشهرها الفقوس إذ يحتل المساحة الأكبر من السهل (قرابة 700 دونم)، ويستمر موسمه لمدة خمسين يومًا بمتوسط إنتاج يومي يصل إلى نحو 12 ألف كيلو.
ولدعم المحصول في وجه الاستيطان، فإنَّ عبد الله وعددًا من الناشطين يقيمون معرضًا سنويًا لـ"الفقوس" منذ العام 2010 لدعم ومساندة الزراعة المحلية، ولتعزيز صمود المرأة المزارعة في أرضها، كي نتحكم في العرض والطلب ونرفع سعر المنتج.
فعاليات داعمة
ويقول عبد الله: "حاليًا ندعمهم بتخصيص يومي الجمعة والسبت للتسوق الميداني، حيث يأتي للقرية قرابة أربعة آلاف زائر في هذَين اليومين، الباحثين عن الفقوس والتنزه، لكونها منطقة مفتوحة وسهلية حيث يجلبون عائلاتهم للتنزه".
ونجحت الأنشطة المتعددة في دعم المزارعين بقوة حيث رفعت سعر المنتج من شيكل للكيلو الواحد الذي لم يكن يساوي الجهد الذي تبذله النساء المزارعات ليصبح قرابة عشرة شواكل ما مثَّل مورد دخل مهمًا للأسر التي تعتاش على هذا المحصول.
ويقول داوود: "أصبحت دير بلوط محطة تنزه للزوار من جميع أنحاء الضفة الغربية في يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، يأتينا الزوار من رام الله ونابلس وحتى القدس العاصمة، يأتينا في اليوم الواحد قرابة عشرين باصًا".
ويشدد على أن أرض السهل مهددة بالمصادرة لمصلحة الاستيطان، "لذلك فإن دعم المزارعات فيها يعزز من صمود هذا القطاع، فأقرب مستوطنة تبعد عن السهل 300 متر"، مشيرًا إلى أن اعتداءات المستوطنين على المزارعين تتضاعف عندما تشتد الأحداث بين المقاومة والاحتلال.