"لكمة قاضية" لدولة الاحتلال، هو التوصيف الدقيق لعملية معبر العوجا البطولية التي نفذها السبت الماضي مجند مصري، قرب معبر العوجا الحدودي الذي يفصل محافظة شمال سيناء المصرية عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأسفرت عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، وتركت عويلًا وبكاءً عم كيان الاحتلال، الذي بدا مذهولًا من هذه العملية ونتائجها الوخيمة على جيش الاحتلال.
توقيت عملية العوجا أحدث صدمة واسعة في منظومة أمن الاحتلال، إذ جاءت هذه العملية في خضّم مناورة كبرى يجريها جيش الاحتلال تحت عنوان "اللكمة القاضية"، بمشاركة جميع أذرعه الجوية والبرية والبحرية والاستخبارية والتقنية، لتأتي هذه العملية وتصيبه في مقتل، ولسان حال الحدث أنه يمثل إعلانًا مسبقًا عن فشل مناورته العسكرية التي تحاكي حربًا إسرائيلية متعددة الجبهات، في جميع المحاور، وفي ذات التوقيت.
ربما ما ضاعف من صدمة الاحتلال أنها كشفت خاصرته الضعيفة، وعدم قدرته على حماية الحدود الفاصلة مع سيناء المصرية، والتي تمتد لمسافة تقدر بنحو مئتين وخمسين كيلومترًا، فتركيز جيش الاحتلال على تصاعد المقاومة في الضفة، ومضاعفة حماية ثكناته ومستوطناته قرب الحدود مع غزة جنوبًا ولبنان شمالًا، كشف ضعف تركيزه في حماية الحدود الفاصلة مع الجانبين المصري والأردني، وهي نقاط ضعف بدت واضحة في منظومة أمن الاحتلال.
ربما ما فاقم مع غضب جيش الاحتلال أن العملية التي نفذها جندي مصري جاءت مُحكمة التخطيط، والإعداد المسبق لتنفيذها، فالجندي البطل منفذ العملية استطاع وبسهولة مراقبة الحدود، والسير بتخفٍ لمسافة تتجاوز خمسة كيلو مترات، واجتياز الحدود الفاصلة، والأسلاك الشائكة، والوصول إلى ثكنة عسكرية إسرائيلية في عمق مئة وخمسين مترًا، وقتل الجنود من مسافة أمتار قليلة، دون أن يتمكن الجنديان الإسرائيليان القتيلان من إطلاق طلقة واحدة بحسب إعلام الاحتلال، وبعد تنفيذ عمليته بنجاح، واصل الجندي المصري سيره إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكَمَن لدورية راجلة من جيش الاحتلال، واستطاع بعد ساعات من تنفيذ عمليته الأولى قتل ضابط ثالث، قبل أن يتمكن جيش الاحتلال من رصده وقتله، ليرتقي شهيدًا على ثرى فلسطين المحتلة.
ما أعلنه إعلام الاحتلال من عثور جيش الاحتلال على ذخيرة وسلاح كلاشينكوف، ومصحف، وخنجر كوماندوز لدى الجندي المصري الشهيد، يشير إلى دوافع العملية التي أعادت إلى الأذهان عمليات مشابهة نفذها جنود عرب ضد جيش الاحتلال، ومن أبرزهم: الجندي المصري سليمان خاطر، الذي قتل سبعة من السيَّاح الإسرائيليين عام 1985م، والجندي الأردني أحمد دقامسة الذي قتل سبع إسرائيليات عام 1997م بعد استهزائهن بصلاته.
اللافت في عملية الجندي المصري قرب معبر العوجا أنها أحدثت إرباكًا واسعًا لدى كيان الاحتلال، وأعادت تسليط الضوء من جديد على الفشل الذريع للتطبيع مع شعوب المنطقة العربية، فالعلاقات التي تقيمها دولة الاحتلال مع بعض الأنظمة العربية، لا تكاد تتجاوز حدود العلاقات الرسمية، في حين ينظر الشارع العربي بعداء شديد لكيان الاحتلال، عاده كيانًا محتلًا طارئًا وشاذًّا عن المنطقة العربية، فالفرحة العارمة التي عمَّت مواقع التواصل الاجتماعي بُعيد وقوع عملية معبر العوجا، والاحتفاء الكبير بالجندي المصري، تؤكد هشاشة التطبيع، ورفض الشعوب العربية إقامة أي علاقات مع الاحتلال.
من ناحية أخرى فإن هذه العملية تأتي بعد تصعيد كبير من حكومة الاحتلال تجاه تهويد القدس والمسجد الأقصى، وهو سبب كفيل لحدوث مثل تلك العمليات، وتفجير المنطقة العربية في حال استمر تصاعد عدوان الاحتلال بحق مدينة القدس والمسجد الأقصى، فالعملية الفدائية أثبتت من جديد مركزية القضية الفلسطينية، ووحدة الدم العربي، وبطولة الجندي المصري، ومكانة القدس في قلوب أحرار الأمة.
ربما لن تستطيع حكومة الاحتلال اتخاذ أي خطوات تصعيدية مع الجانب المصري بعد هذه العملية البطولية، خاصة وأن الجانب الرسمي المصري قد نأى بنفسه عن مسئوليتها، كما أن الاحتلال لا يستطيع إحداث توتر في علاقته مع مصر، نظرًا لدورها الكبير في الحفاظ على الهدوء في المنطقة، ولكن في البعد الميداني، فإن عجز الاحتلال وفشله بدا واضحًا اليوم مع عدم قدرته على تأمين هذه الحدود الفاصلة والممتدة لمئات الكيلومترات، بين الأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة، وبين الأراضي الأردنية شرقًا، والمصرية جنوبًا من جهة أخرى.