تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مذ بدأت مفاوضات الحل النهائي مع السلطة الفلسطينية إلى تذويب قضية اللاجئين بوصفها أحد مرتكزات الصراع، ففضلاً عن عدم قبولها فكرة "حق العودة"، توظف دولة الاحتلال علاقاتها الدبلوماسية مع حلفائها في الأمم المتحدة من أجل تحويل بعض الإجراءات على الأرض إلى إقرار سياسي دولي.
فمؤخراً، كشفت صحيفة "القدس العربي" عن وجود محاولات وخطط من جهات وأطراف دولية، تهدف إلى تغيير واقع عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" ونزع الصفحة عنها كجهة دولية مختصة بمعالجة "قضايا اللاجئين فقط".
ويتضح من ذلك، أن الخطة الأولية التي أعلن عنها مؤخرا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ونادت بحل "الأونروا" وإنهاء عملها بشكل كامل، وإلحاق اللاجئين بالمفوضية العامة للاجئين في العالم "باءت بالفشل"، وفق الصحيفة.
وإزاء ذلك، فإن (إسرائيل) لديها توجه جديد تعمل حالياً على تمريره من خلال الضغط على الأمم المتحدة، يقوم بالأساس على وقف عملية "توريث صفة اللاجئ"، بحيث يتساوى أطفال اللاجئين الجدد مع غيرهم من الفلسطينيين ممن لا يحملون هذه الصفة مستقبلا، في خطوة تهدف إلى إنهاء الملف تماما.
ويؤكد المستشار الإعلامي "للأونروا" في غزة عدنان أبو حسنة، أن المؤسسة وُجدت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجرى تفويضها بالعمل لصالح اللاجئين الفلسطينيين فقط.
وأوضح في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن الجمعية العامة هي الجهة الوحيدة التي تستطيع تغيير تفويض عملها، وليس غيرها، مشيراً إلى أن القضية لا تتعلق بقرارات هنا وهناك، وإنما بطبيعة العمل الذي حددته الجمعية العامة.
ويعلق أبو حسنة، على ما ورد في "القدس العربي"، بشأن تغيير خطط "الأونروا" الخاصة بعمليات التوظيف الجديد في مؤسساتها العاملة في قطاع غزة، بفتح الباب بشكل أكبر أمام توظيف "غير اللاجئين"، بالقول إن "الوكالة تفتح أبواب التوظيف لكل الفلسطينيين، لكن الأولوية تكون للاجئين حيث غالبية الموظفين منهم".
ونوه إلى وجود عمليات توظيف جرت لأعداد قليلة جداً لغير اللاجئين لاعتبارات ذات صلة بالكفاءة المهنية، موضحاً في الوقت ذاته، أن التوظيف مرتبط بالتمويل حيث تواجه "الأونروا" عجزاً مالياً يقدر بنحو 126 مليون دولار، "وهناك جهود كبيرة يبذلها المفوض العام بيير كرينبول مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للتغلب على هذه الأزمة"، وفق قوله.
هدف لن يتحقق
في الأثناء، يقول رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة "حماس" د. عصام عدوان، إن دولة الاحتلال تستغل قوة علاقاتها الدبلوماسية لتحريك المجتمع الدولي باتجاه تحقيق أهدافها بإنهاء عمل "الأونروا" وهو "توطئة لطمس قضية اللاجئين وإنهائها".
وبيّن عدوان في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن سلطات الاحتلال تنظر بخطورة بالغة لبقاء "الأونروا" حوالي 67 عاماً، إلا أن دولة الاحتلال تدرك أنه ليس باستطاعتها ذلك، معللاً ذلك بوجود "كتلة كبيرة من الدول المناصرة للشعب الفلسطيني، ستحول دون اتخاذ مثل هذا القرار".
ولفت إلى أن (إسرائيل) تشن حملة "ادعاءات كاذبة" تتهم فيها "الأونروا" بتقديم خدماتها لما تسميه بـ "الإرهاب"، وتطالب الدول الصديقة لها بوقف تقديم مساعدتها لها.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستند فيها سلطات الاحتلال لمثل تلك الدعاية السياسية، حيث شنت حملة مشابهة عام 2012، كانت وجهتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، "دون أن تحظى بنجاح ملموس أو تأثير على الأرض"، وفق عدوان.
وطالب رئيس دائرة حماس لشؤون اللاجئين، "القيادة الفلسطينية" بشن حملات مضادة في الأمم المتحدة، تُظهر خلالها أهمية بقاء الأونروا، ومساهمتها في تحقيق الأمن والأمان في الشرق الأوسط، وأن زوالها يفجّر المنطقة بمزيد من الأزمات.
كما دعا لاستصدار قرار جديد من الأمم المتحدة لتوسيع عمل الأونروا، وتخصيص ميزانية ثابتة لتغطية أي عجز يطرأ عليها، منوهاً إلى أن "استمرار الصمت الفلسطيني والعربي، سيُنجح (إسرائيل) في تحقيق مرادها".
ويتفق مدير عام الهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين في لبنان علي هويدي، مع سابقه، مؤكداً أن هذه المحاولات تستهدف بشكل مباشر حوالي أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لدى "الأونروا".
وأوضح هويدي في حديث صحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال لم يستطع التأثير بشكل مباشر لوحده، لذلك يستعين حالياً بحليف إستراتيجي كالإدارة الأمريكية، لتشكيل لوبي ضاغط لتعديل القرار (302) الصادر عن الجمعية العامة عام 1949.
وبموجب القرار المذكور أُنشئت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، واستندت الجمعية العامة في ذلك على نص المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تفوض بإنشاء إدارات فرعية بحسب ما تراه ضروريا للقيام بمهامها.
ثلاثة خيارات
واعتبر هويدي محاولات الاحتلال "استهدافا مباشرا لحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها (..) وفي حال جرت إحالة خدمات اللاجئين للمفوضية العليا للاجئين بدلا من الأونروا، فسيكون هناك 3 خيارات".
ويرى أن الأول "العودة الطوعية للاجئ الفلسطيني، ويأتي ذلك ضمن صلاحيات المفوضية، أما الثاني، توطين اللاجئ حيث هو، وهذا يحتاج موافقة الطرفين، الدولة المضيفة، واللاجئ نفسه، وهو ما استبعده هويدي، والثالث، أن تقوم المفوضية بالبحث عن دولة ثالثة تستوعب اللاجئ، دون إعطاء صلاحية له باختيار الدولة التي يريدها.
ويشار إلى أن عدد اللاجئين المسجلين لدى "الأونروا" يقدر بنحو خمسة ملايين لاجئ.