قائمة الموقع

"نفق بلعا".. شاهد عثماني محفور في عمق جبال فلسطين

2023-06-04T09:38:00+03:00
نفق القطار العثماني

"الخرق" هو الاسم الذي أُطلق على النفق العثماني الذي يخترق أحد جبال قرية بلعا شرقي محافظة طولكرم.

تعود حكاية النفق إلى عام 1876 عندما حفر العثمانيون الجبل ضمن مشروع سكة الحديد الذي استمر العمل به حتى عام 1909. يتميز النفق بأقواسه شبه الدائرية، وعلى يمينه ويساره تتواجد وسعات يمكن أن يحتمي بها الشخص إذا فاجأه القطار، كما لم يغفل من بنَوْه بوضع فتحات صغيرة لوضع قناديل الإنارة إذا وصل القطار ليلًا.

أُسس النفق العثماني في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، كان الهدف منه نقل وتأمين وصول الحجاج إلى الحجاز، حيث كانت هذه رحلة الوصول إلى الحجاز تستغرق أشهرًا طويلة. 

معلم أثري

يبين مدير دائرة الحماية في مديرية السياحة والآثار بطولكرم معاذ جبارة أن العمل في بناء خط سكة الحجاز بدأ عام 1876، حتى أُنجز حفر النفق نهاية عام 1909.

ويوضح جبارة لـ"فلسطين" أن مشروع النفق تأخر تنفيذه بسبب قلة الأموال، وانقطع العمل به ولكن بالمبادرات الشعبية والتبرعات أعيد استئناف المشروع عام 1908، مشيرًا إلى أن الدولة العثمانية خصصت للمشروع (18%) من خزانة الدولة.

ويذكر أن النفق معلم تاريخي وأثري عثماني هام يبلغ طوله 240 مترًا وعرضه 6 أمتار وارتفاعه 12 مترًا، وتوقف العمل فيه خلال الحرب العالميّة الأولى بعد انهيار الدولة العثمانية، ثم استخدمه جيش  الاحتلال الإنجليزي عام 1923 في نقل الجنود والعتاد، وبعد ذلك استخدمته العصابات الصهيونية عام 1948 لطرد وتهجير السكان الفلسطينيين من أراضيهم".

ويلفت جبارة إلى أن بناء خط سكة حديد الحجاز نُفذ بناء على ظروف سياسية استجدت مع الدولة العثمانية، ودخولها الحرب العالمية الأولى وتحالفها مع ألمانيا، فقد نُفّذ هذا المشروع ضمن المواصفات الفنية الألمانية.

نمط ألماني

ويوضح أن الأبنية الخاصة بسكة الحديد بُنيت على نمط معماري واحد، فالطابق الأول استخدم للخدمات والأمن وتزويد القطار بالوقود، أما الطابق الثاني فاستُخدم لإقامة من يدير المحطات، فقد كانت هذه المحطات على مسافات متقاربة من ١٠ - ١٥كم بحسب أهمية المحطة.

ويلفت إلى أن 5000 من جنود الخدمة العسكريّة الإجباريّة في الدولة العثمانيّة شاركوا في حفر النفق مستخدمين وسائل بدائيّة، مبينًا أن هذا النق كانت نقطة انطلاق ثلاث محافظات هي جنين ونابلس وطولكرم.

وينبه جبارة إلى إنشاء العثمانيين قناطر للتغلب على التضاريس، والحالة النادرة الموجودة في نفق بلعا حيث اضطروا إلى خرق الجبل للتغلب على المناسيب، فكان له بداية ونهاية مفتوحة، وتم تقوية النفق بعد حفره بجدران وسقف من حجارة البناء، وتزويده ببعض الغرف الصغيرة التي استخدمت للاحتماء بها، واللجوء إليها في حالة مرور القطار بشكل مفاجئ.

وفي الحرب العالمية الأولى عمل جيش الحلفاء على تفجير معظم أجزاء سكة الحديد، وذلك لأنها كانت تستخدم لنقل الجنود والأغراض العسكرية، ثم أعادت بريطانيا تشغيل المحطة بعد ربطها بخط إضافي من قرية المسعودية ثم بلدة خضوري إلى قطاع غزة، وسيناء، وذلك لخدمة الجيش البريطاني بشكل أساسي، وفق جبارة.

استيلاء إسرائيلي

وينبه جبارة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي عمل على تفكيك أجزاء من سكة الحجاز، وأعاد استخدامها لعمل خط بارليف قبالة قناة السويس، واستخدامها مركزًا للجيش، ومقصدًا للمستوطنين وهو الحال الذي أصبحت عليه منطقة المسعودية بشكل عام.

ويقول: "تعمل وزارة السياحة والآثار على ترميم النفق وتعطيه أولوية هامة للحفاظ على مكانته التاريخية والأثرية، حيث تم إدراجه على الخارطة السياحية والأثرية لمحافظة طولكرم، إضافة إلى أنه جرى مؤخرًا ترميم بعض الحجارة التي تعرضت إلى التصدع بمبادرات تطوّعيّة وبمساعدة مؤسسات محلية وشبابية لتأهيل النفق، وإحياء وجهته السياحية".

ويضيف جبارة: "تعرّض الخرق لعمليّات نهب وسرقة من لصوص الآثار الذين اعتقدوا بوجود أسفل النفق كنوز ذهبية دفنها العثمانيون قبل أن يغادروا فلسطين بعد سقوط الخلافة العثمانية، وهذا ما تبين من خلال التحقيقات التي أجرتها الشرطة الفلسطينية مع بعض اللصوص الذين أُلقي القبض عليهم".

ويتابع: "تم الحد من هذه السرقات من خلال التنسيق المشترك مع شرطة السياحة والآثار لتعقب اللصوص استنادًا لشكاوى المواطنين على الرغم من التضييقيات الإسرائيليّة التي تواجه عناصر الشرطة أثناء أداء عملها، كون النفق يقع ضمن المنطقة (ج) الخاضعة إلى السيطرة الإسرائيليّة".

وبحسب الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ، فإنّ 53% من المواقع الأثريّة في فلسطين تقع في المنطقة (ج)، تمنع سلطات الاحتلال أيّ أعمال تنقيب أو ترميم فيها.

اخبار ذات صلة