خلال لقائي هذا الأسبوع مع طلاب مدرسة ابتدائية في إحدى قرانا، تحدّثت كالعادة للطلاب عن عناوين قصصي، وقدّمت نبذة سريعة عن كل واحدة منها وما هو المغزى أو الفكرة التي تحملها.
من بين هذه القصص، قصة "في بلدنا انتخابات"، وهي ملائمة للطلاب من طبقة الخوامس وما دونها.
كان اللقاء مع طلاب ثوالث، وعندما ذكرت الانتخابات، ردّ بعض الطلاب فورًا وبفرح واضح "أردوغان فاز في الانتخابات"، لم يكن هذا واحدًا ولا اثنين، بل عددٌ كبير من الطلاب، راحوا يتحدثون عن الانتخابات في تركيا وعن فوز أردوغان، وفوجئت بأحدهم يدخل في تفاصيل ويقول: لو نجح رئيس المعارضة لطرد السوريين من تركيا.
دهشت من انغماس طلاب ثالث ابتدائي إلى هذه الصورة وانكشافهم على السياسة الدولية وليس المحلية فقط، فأجريت معهم نقاشًا في السياسة بالضبط كما لو كانوا كبارًا بالغين.
واضح من ردّة فعل الطلاب، مدى أهمية الانتخابات التركية وانعكاسها على شعبنا محليًا، كذلك على الشعوب العربية عموما من خلال وسائل التواصل، فهذا الاهتمام الذي وصل إلى أطفال في هذه السِّن لم يأت صدفة، بل لأن السياسة موضوع مطروح في حياتنا اليومية وفي كل بيت.
هنالك انكشاف غير مسبوق من خلال الشبكة العنكبوتية ومختلف وسائل الإعلام على كل الأجيال، إلا أن الأهم من هذا كله هو تأثير الأهل وما يتناولونه من كلام في السياسة وغيرها أمام أطفالهم، واضح هنا أن الأهالي متعاطفون مع أردوغان وهذا انتقل إلى الأطفال.
هذا يعني أن للأهل دورًا حاسمًا في ما يتعلق بالموقف من الانتخابات المحلية، وكيفية إدارتها، وما يسمعه الأولاد من كبارهم بلا شك سوف يؤثر على تصرّفاتهم، فحين نتحدث عن الطرف المنافس في الانتخابات كأنّه عدوٌ للعائلة ونرميه بكل الصفات السَّلبية وننزّه المرشح الذي نؤيّده، هذا سوف يصل إلى الأولاد، وسوف يتصرفون على أساس المعلومات التي تلقوها من ذويهم، فالإيجابية تعكس إيجابية، والسلبية تعكس سلبية.
التوجيه في البيت هو أساس التربية على أهمية احترام وقبول وجود منافسة ورأي آخر من دون شيطنة للخصوم السياسيين.
تتحدّث قصتي "في بلدنا انتخابات" التي صدرت عام 2017 عن دار الأسوار للطفل عن تصرّف المتنافسَيْن، الفائز والخاسر، وما يتوجب عليهما أن يفعلاه في الانتخابات، سواءً كانت محلية أو قطرية.
مسؤولية ردّة الفعل على نتائج الانتخابات ليست مسؤولية الخاسر فقط بأن يقرَّ بخسارته وأن يهنئ الفائز، بل تقع المسؤولية بنفس القدر على الفائز الذي من حقه أن يفرح، ولكن من غير استفزازات للمنافس الخاسر، وأن يتحلى بالذوق، وألا يقلق الكرة الأرضية بالمفرقعات أو إطلاق النار!
هذا على الصعيد المحلي، فالانتخابات المحلية قد اقتربت.
أما على الصعيد الدولي، فقد شكّلت تركيا قي العقدين الأخيرين نموذجًا ممتازًا لدول المنطقة، ولكثير من دول العالم، من خلال بث الروح الديمقراطية التي جرت فيها الانتخابات، والمنافسة الشفافة، وتصرّف رجب طيّب أردوغان مع المعارضة قبل وبعد فوزه، وطريقة توجّهه المُطَمئنة التي تشكل نموذجًا جيّدا للحد الأدنى الذي يجب أن يكون عليه النظام، وهذا ما لا تنعم فيه أي دولة عربية للأسف.
تركيا وسياستها مهمة جدًا للمنطقة وللعالم وللعرب، وفوز أردوغان وحزبه وما يمثله هو استفتاء للشعب التركي، أعلن فيه بوضوح احترامه لتاريخه وانحياز أكثره إلى علاقة سويّة من الاحترام المتبادل مع العرب، ومن غير تنكّر لحضارتهم ولغتهم وإلى ما قدّموه للبشرية.
كثيرون على صعيد العالم تمنّوا فشل أردوغان، ومنهم كثيرون من العرب، وأكثر الأحزاب في (إسرائيل) ومن مختلف الأطياف تمنّوا اختفاء أردوغان ونهجه من خارطة المنطقة والعالم، فأكثرهم يزعجه هذا النموذج الذي يتقرّب من العرب، ويفتح قنوات التعاون الممكنة معهم، إضافة إلى محاولته اتباع سياسة مستقلة عن الدول العظمى، كذلك فهو لا يصمت عندما يرتكب الاحتلال ما يرتكبه من جرائم بحق شعبنا الفلسطيني، ولا يساوي بين المجرم والضحية، ولهذا أتفهّم تلك العبارات البريئة التي قالها الأطفال، والتي عكست مزاجًا شعبيًا بين ظهرانينا متعاطفًا مع رجب طيب أردوغان وما يمثّله.