لقد كان فوز أردوغان بانتخابات الرئاسة 2023 كبيرًا بمعانيه، حيث ضمن استمرار اندفاعة تركيا نحو مكانتها الريادية الطبيعية في المنطقة والعالم، وكان كاسحًا بما استطاع مواجهة وتجاوز كل العقبات غير العادية، التي شارك في وضعها قوىً دولية.
وما الانحياز الإعلامي الصارخ البعيد عن معاني المهنية ضد أردوغان إلا مثالًا واحدًا على ذلك؛ ولكنه كان نصرًا صعبًا بفارق ليس بالكبير، وهنا المعنى الأهم، وهو أن المعركة على تركيا ما زالت مستمرة، وقد تتصاعد ولا مكان للراحة في أوساط أنصار تركيا القوية والمؤمنة.
من جهة واحدة، شكل النصر بفارق حوالي 4% لصالح الرئيس أردوغان: (52% مقابل 48% ) نصرًا للديمقراطية التركية، حيث توجد معارضة قوية ولها احتمالات حقيقية بالفوز، كما توجد سلطة تحترم وتقدم قواعد التنافس الحر والشريف بنسبة معقولة؛ ولكن من جهة أخرى، أيقظ هذا الفارق مخاوف كل محبي وأنصار "تركيا قوية ومتصالحة مع ثقافتها وحضارتها الإسلامية ومحيطها الإسلامي"، فاستمرار حكم الرئيس وحزب العدالة والتنمية لمدة 20 عامًا ما زال لم يحسم بعض الأمور الخلافية المهمة حول دور وثقافة تركيا ومكانتها، مع أنه أسس لقواعد ديمقراطية متينة من الصعب أن يتجاوزها أي رئيس قادم متهم بالتوجهات الاستبدادية.
هل يمكن أن نطمئن؟ نقول إن اجتماع المعارضة الأخير، الذي كان غير عاديّ في مدى تناقضاته والفروق الفلكية بين مركباته، والذي حمل -أيضًا ولأول مرة منذ مدة- خطرًا وتهديدًا حقيقيًا ضد استمرار ولاية جديدة للرئيس أردوغان، هل يمكن أن نقول إن هذا الاجتماع هو الفرصة الأخيرة للمعارضة وقد ضيعتها بضعف شخصية وقدرة من يقف على رأسها هو كمال كليجدار أوغلو، أم أن قولًا مريحًا كهذا لا يملك رصيدًا في عالم السياسة بشكل عام والتركية بشكل خاص؟
إذن وفي كل الأحوال، وعلى الرغم من الفوز الكبير الكاسح والصعب لأردوغان والأسهل نسبيًا لحزب العدالة والتنمية بعكس ما كان متوقعًا أو ما كان يشعر به الناس، إلا أن المهمات الصعبة ما زالت في الطريق، والشعب التركي لن يعطي أصواته أو يمنح ثقته لمجرد شعارات وإعلانات انتخابية، حتى لو كانت ممن يرونه تركيًا مخلصًا لحضارة تركيا وثقافتها الإسلامية، فمشاكل الاقتصاد والزلزال تنتظر، والمعركة على تركيا عالم الديمقراطية والانتخابات لا تقل صعوبة عن المعركة عليها بإضافة التدخلات الأجنبية ومحاولات الانقلاب العسكرية.