فلسطين أون لاين

المقاومة وتحييد القوات البرية في غزة

نجحت المقاومة الفلسطينية بغزة في تحييد القوات البرية لجيش الاحتلال الصهيوني، الأمر الذي دفعه لإعمال خطط ومسارات عمل بديلة للتعاطي مع التهديدات القادمة من غزة، بعد أن أصبح خيار استخدام القوات البرية "خطيرًا للغاية" بفعل التحديات التي فرضتها المقاومة في وجه الجيش، وقد جاء ذلك بعد تجارب صعبة وخطيرة للغاية، كان من أبرزها تعرض الجنود لصور مختلفة من الاستهداف المباشر في (قطاع غزة) أدت لنتائج كارثية، سواء على صعيد القتلى والإصابات أو عمليات الأسر، وهذا ما جعل العدو يضطر لإنهاء عملياته العسكرية العدوانية في أكثر من مرة دون تحقيق أي أهداف حقيقية مع غزة.

هذه المخاطر والتحديات التي لحقت بالقوات البرية جاءت نتيجة تطور أداء المقاومة في غزة، وتمثل ذلك في: (التدريب المتقدم، التسليح، تفعيل خطط نوعية، ورفع مستوى الدافعية والاستعداد لدى المقاتلين)، الأمر الذي دفع العدو الإسرائيلي للانتقال لسيناريوهات ومسارات عمل تقلل من حجم المخاطر وتجنب

القوات الاشتباك المباشر داخل ميدان المعركة، وذلك بالاعتماد على: (سلاح، الجو، والبحر) لتفادي حدوث خسائر مباشرة في صفوف جنوده، وحمايتهم من عمليات أسر جديدة، لكن الخطير أن المقاومة الفلسطينية لم تقف عند هذا الحد وفضلت نقل المعركة في أكثر من جولة ومعركة إلى ميدان العدو، وهاجمت قواته البرية داخل المواقع والثكنات العسكرية مستخدمة "الأنفاق الهجومية"، وسجلت نجاحات أخرى سواء على صعيد قتل وإصابة الجنود، أو تدمير مركبات، أو أسر مزيد من الجنود.

ويعني ذلك أن جيش الاحتلال أصبح يفقد القوة الأبرز التي تستخدم لحسم المعركة، وفرض السيطرة على الميدان في مواجهة غزة، مع أدراك العدو أن المزيد من التسليح والتدريب في قواته البرية لن يحل هذه المعضلة أمام المقاومة في غزة، التي باتت تمتلك عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين على مختلف المهمات الشاقة والصعبة، والمقسمين لوحدات متخصصة قادرة على التعاطي مع مختلف العمليات والأهداف ويشمل ذلك (وحدات القنص، والهندسة، ومضاد الدروع) وغيرها من الوحدات النخبوية، في محاكاة لما تقوم به الجيوش النظامية وهي تواجه أي تهديد بري سواء قوات راجلة أو محمولة بواسطة آليات ومركبات مصفحة.

لكنه أمام هذه التحديات يحاول تفعيل قواته البرية في ساحات أخرى تكون فيها مستويات المخاطر منخفضة، لذلك كثف من عملياته بواسطة القوات البرية المدعومة من سلاح الجو ومن الأسلحة والأجهزة الأخرى داخل مدن وقرى الضفة الغربية؛ لكون المقاومة في الضفة لا تمتلك القدرات العسكرية والقتالية الكافية مثل غزة، وعليه تكون مهمات الجيش أقل خطورة، ويمكنه استعراض (إنجازات جديدة) يرمم من خلالها صورة جيشه، ويستعيد جزءًا من الردع.

 لكن حتى أمام ساحة الضفة التي توجد فيها أعداد ليست كبيرة من المسلحين مع أسلحة فردية متواضعة، يواجه صعوبات كبيرة وتتعرض قواته لنيران مباشرة ودائمة، ما يدفعه لاستخدام (الجيبات والمركبات المصفحة) لحماية الجنود، أو اللجوء إلى طرق بديلة عبر "الوحدات الخاصة" التي تتسلل بلباس مدني لوقت محدود ثم يدخل الجيش لإسنادها. صحيح أنه حقق نجاحات محدودة في موضوع اعتقال المطلوبين أو اغتيال آخرين منهم، لكنه عاجز عن تغطية فشله الذريع أمام استمرار العمليات الفدائية التي تنطلق من جميع مناطق الضفة الغربية، وأدت لقتل وإصابة عدد كبير من الجنود والمستوطنين، وما زالت المقاومة في الضفة تهدد بالمزيد، وهذا فشل آخر آخذ في الازدياد في وجه العدو الإسرائيلي لم يستطع معالجته بصورة نهائية.

وعليه فإن المقاومة في كل مرة تحقق مكاسب جديدة في وجه العدو، والاحتلال يتراجع رغم فارق القوة والإمكانات، وهذه قراءة واقعية وليست مجرد شعارات، فمن يتابع من كثب يدرك تمامًا حجم المأزق الذي يعيش فيه جيش الاحتلال، الذي يفشل ومنذ سنوات في تحرير جنوده الأسرى في غزة، وأكثر من ذلك أنه يعجز عن معرفة مصيرهم، ويخشى من دخول غزة لحسم الصراع نتيجة رعب جنوده من المصير أو الجحيم الذي ينتظرهم (القتل، أو الإصابة البالغة، أو الأسر)، وهذا ما يفسر توقفه عن عبارات التهديد بدخول غزة أو إعادة احتلالها، لأنه أصبح تهديدًا مستهلكًا وغير واقعي، ويصعب تنفيذه.