حاول الاحتلال على مدار 75 عامًا من الصراع أن يعمق الفجوة في عقول الفلسطينيين والعرب، بأنه كيان متفوق ومتقدم، وجزء من أوروبا في الشرق، وواحة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى التفوق التكنولوجي، وأن الفلسطينيين تركوا أرضهم، وباعها بعضهم، والعديد من الخزعبلات التي روجها عبر وسائل الإعلام الدولية.
هذه الرواية المزورة التي امتدت سنوات طويلة، لم يعد له القدرة على ترويجها أو نشرها، بل هناك ما وراء الأحداث صراع الأدمغة لبناء وعي آخر قائم على فكرة الفلسطيني المتفوق المتعلم المتميز في جميع ميادين العلم والعمل في أوروبا وغيرها، ويثبت تفوقه في جميع ميادين العمل التكنولوجي والعلمي والتقني والسياسي، وفي ميدان القتال، انقلبت الصورة تمامًا، ورسمت صورة الفلسطيني المقاوم الشرس الذي يصنع سلاحه بيده، ويقاتل في كل الميادين، المتمسك بوطنه، وسط حاضنة شعبية واعية.
الوعي الجمعي الفلسطيني قائم على التمسك بالحقوق الوطنية، منطلقًا من فكرة التفوق في صراع الأدمغة، وبناء الوعي الجمعي على الانتصار على الاحتلال، وانتزاع الحرية بجميع السبل، وخوض المواجهة في جميع الميادين لقتال الاحتلال، وعزله في جميع الميادين، ولعل الحالة المقاومة والثورية التي شهدتها فلسطين في الساحات كافة خلال الأعوام الأخيرة، أثبتت صدق ذلك، وأن كل محاولات الطمس والتغييب التي اتبعها الاحتلال على مدار 75 عامًا لم تعد قائمة، بل أصبح هو يعاني في المقابل العزلة، والانزواء، وتشتت كيانه واعتراه عوامل الانهيار التي حذر منها قادة الصهاينة السابقون، وأن الفناء في العقد الثامن أصبح واردًا، ويمكن تحققه لعوامل ذاتية، وأخرى خارجية، ساهم الاحتلال وإجرامه في فضحها، ومقاومة وصمود الشعب الفلسطيني في وجهها فضحها، وسدد لها ضرابات متوالية.
أصبح الوعي الجمعي الفلسطيني مترسخ بحتمية التحرير، وأن إمكانية هزيمة الاحتلال، وانهياره أصبح واقعًا قابلًا للتطبيق، وأسرع مما يعتقد المتابعون، والمختصون، وأن الفضل يرجع في ذلك إلى بناء وعي وطني فلسطيني، يقوم على التضحية والفداء، وتحمل تبعات الصراع مع الاحتلال، والإعداد والتجهز لمواجهته بجميع السبل.