تصر أنظمة الاستبداد أن تطبق إملاءات المال السياسي والأجندة الخارجية على الشعوب، فتسرق صوتها وتحجب رأيها وتمنع حقها وتجهز حجة وتبريرًا لكل مقاس تريده، ليبقى الشعب بلا قيمة ومجرد رقم يعيش على اسم زعيم.
كل شيء مسموح في نظريتها إلا الصندوق؛ هذا الذي يقول فيه الشعب كلمته، ويجري الحياة في الدولة، وينمي التنافس، ويفضح الفساد، ويزيل الوهن، ويقوي الدولة، ويجدد البناء، ويطور الأداء، فهذا ممنوع أن يقترب منه الشعب أو حتى أن يطالبوا فيه، وإن أصرت الشعوب عليه فتعد الأنظمة فورًا إلى خطة الجحيم، لتظهر للناس أن ما كان من ظلم أهون ألف مرة من هذا الجحيم.
الفوضى الخلاقة، والحرب الأهلية، والاغتيالات، والقتل الجماعي، والقهر، والفقر، ومنع صرف الرواتب، وغيرها من الإجراءات التي تغتال بها إرادة الشعوب، وتبتزهم للعودة إلى ما كان، بزعم أنه أفضل ما كان.
في الحالة العربية كل المؤسسات الأمنية والعسكرية تعمل ليل نهار، إلا لجنة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فمنها المغلق ومنها المفتوح للديكور، ولذلك تستمر معادلة التدخلات الخارجية بوضوح، والفيتو الأمريكي على أي تغيير بل وزيادة، فهم لا يكتفون بمنع الصندوق، بل بتصوير الطريق إليه كنار تحرق الصغير والكبير، جرائم واضحة ارتكبت في وضح النهار في ميادين إبادة لكل الداعمين للديمقراطية، بل وقتل واغتيال لنواب ورئيس منتخب حتى تجاوز ذلك إلى عقوبة لكل من انتخب.
تكرر المشهد في أغلب البلدان العربية التي بعضها حاول عمل المسرحية بضوابط أمنية وغيرها ممن غطى البلطجة بصندوق مثقوب، وكانت في كل مرة تتحدث أمريكا عن دعمها لصوت الشعوب وإرادتها، وهي التي تسحق الأطفال والنساء والشيوخ بقنابلها في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وليبيا وفلسطين، بشكل مباشر أو غير مباشر.
تغييب الصندوق واغتياله ومنعه هو الهدف الرئيس للغرب في المنطقة العربية، لتبقى ثروات وخيرات وجغرافيا السياسة بيدهم، وتبقى (إسرائيل) واحة ديمقراطية مزعومة وسط غابة البلطجة والقهر، هكذا يصورون ذلك في الإعلام لديهم.
هكذا تصنع أمريكا العقدة، وتمن على العالم بأنها تسعى إلى حلها، وتطالب الضحية بوقف الاحتجاج والجلاد بضبط النفس.
تركيبة معقدة تركتها أمريكا عقبة في وجه الشعوب أمامهم النار والحديد إذا أرادوا التغيير، ومن خلفهم الظلم والسجون والفساد إن بقوا على حالهم، وإن ثاروا فيجب خطف ثورتهم وتشويه قيادتهم وتمزيق جبهتهم بزعم حق التعبير، فهذا يدفع إلى إيجاد حل عميق جذري مبني على إنتاج رؤية واضحة لما اعتقدنا سابقًا أنه مطلب شعبي بالرحيل للفاسد دون أن نعد البديل، وندرس سيناريوهات الخبث التي تطبخها سفارات الغرب على أراضي العرب للتدمير.
ثورة الشعوب حتمًا هي مفتاح الحل، ثورة على كل شكل من أشكال دولة الوهم التي صنعتها رغبة الغرب لتحمي مصلحة هي مضرة لنا، وبالنسبة لهم أمن.