جاءت المناورة العسكرية التي نظمها حزب الله في الجنوب اللبناني، ردًّا عمليًّا على مزاعم الاحتلال الإسرائيلي المتعلقة بتحقيق هدف تفكيك الساحات، الذي وضعه كأحد أهداف العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو الجاري، ليرسخ الحزب وفق خبراء بالشؤون العسكرية والسياسية، وحدة الجبهات، وينسف آمال الاحتلال.
وقال خبراء عسكريون ومحللون سياسيون في أحاديث منفصلة لصحيفة "فلسطين": إن المقاومة في لبنان توصل رسائل عديدة من خلال المناورة، أن المعركة مع الاحتلال مفتوحة، وعلى جهوزيتها واستعادها للمعركة، وانتظارها "الإشارة"، وتطورها الدائم، وأن جبهة لبنان مستعدة لأي معركة كبرى تتعلق بتحرير فلسطين، وأن هذا منهج وليس شعارًا.
ونفذ حزب الله أول من أمس، مناورة عسكرية في جنوب لبنان تحاكي اقتحام مقاتليه مدن ومستوطنات إسرائيلية، مستخدمًا فيها أسلحة متنوعة ومركبات ثقيلة.
وجاءت المناورة التي شارك فيها المئات من مقاتلي حزب الله بمناسبة "عيد المقاومة والتحرير" في الذكرى الثالثة والعشرين لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي في 25 مايو/ أيار 2000.
جهوزية واستعداد
لم تكن المناورة وفق الخبير في الشؤون العسكرية والسياسية من لبنان د. طلال عتريسي نتاج يوم أو يومين من التحضير، بل نتاج أسابيع من التجهيز والتدريب، وأراد "حزب الله" منها التأكيد على أن المقاومة جاهزة ومستعدة وتنتظر الإشارة.
ورأى عتريسي لصحيفة "فلسطين" أن المقاومة في لبنان تريد التأكيد أن المعركة مفتوحة، وأن المواجهة لا تقتصر على حركة الجهاد وحماس، وأن المقاومة في لبنان جاهزة لأي مواجهة مقبلة، وهي بمثابة "إعلان عن القدرات والاستعدادات، وهي تحدٍ لقدرة الردع الإسرائيلية".
وفي وقتٍ أراد الاحتلال الترويج لمقولة تفكيك محور المقاومة والجبهات، من خلال الاستفراد بحركة الجهاد أو غيرها خلال العدوان على غزة، يعتقد عتريسي أن المقاومة داخل فلسطين تنبهت للموضوع.
وقال: "هناك تقدير للموقف بالفصل بين غرفة العمليات المشتركة، وهذا يؤكد على الوحدة بين الفصائل، وبين المواجهة المنفردة مع حركة الجهاد، ما يعكس أهمية وحدة الساحات وغرفة العمليات المشتركة التي كانت بداخل فلسطين، وغرفة العمليات مع محور المقاومة خارجها".
اقرأ أيضاً: بالفيديو مناورة عسكرية بالذخيرة الحيَّة لحزب الله جنوب لبنان
وتبلور مفهوم وحدة الساحات خلال السنوات الماضية مع تصاعد المقاومة بكل أراضي فلسطين، ومع تطور علاقة المقاومة مع الأطراف الإقليمية، بالإضافة إلى ذهاب بعض الدول إلى التطبيع المباشر مع الاحتلال كما أشار.
وهذا دفع محور المقاومة، كما ذكر عتريسي، للعمل بشكل منسق أكبر لمواجهة انحرافات التطبيع والاعتداءات الإسرائيلية، معتقدًا أن لوحدة الجبهات تداعيات إستراتيجية، إذ يشعر كل طرف أنه يعمل ضمن رؤية شاملة.
ويعتقد أن الاحتلال يشعر أنه يواجه تهديدًا متعدد الأطراف ومن جهات مختلفة، واليوم يعيش كابوس وحدة الساحات، ويجري مناورات على هذا الأساس للتصدي لها.
توقيت المناورة
أما خليل نصر الله وهو كاتب ومحلل سياسي لبناني، فيعتقد أن المناورة حملت أكثر من رسالة ودلالة بالاستعداد والجهوزية لأي معركة، وهي المناورة الأولى التي تحصل أمام الإعلام في تاريخ المقاومة بهذا الشكل، وبالذخيرة الحية، وهذه "مسألة مهمة جدًّا".
وقال نصر الله لصحيفة "فلسطين": إن "توقيت المناورة جاء بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، وفي ذروة الحديث عن وحدة الساحات".
وجرت المناورة في أحد معسكرات الحزب بمحاذاة (معلَم مليتا) بالجنوب اللبناني، بمشاركة مقاتلين من مختلف التخصصات العسكرية، باستخدام مركبات ودراجات نارية وأسلحة متنوعة وصواريخ وطائرات مسيرة.
خلال المناورة جرى محاكاة اقتحام مستوطنة، وتجاوز جدار إسرائيلي، وهذا يحمل دلالات، وفق نصر الله، للاحتلال أن مسألة تحرير فلسطين بمنهجية المقاومة وإعداد المقاومة هي راسخة وحية، وأن المناورة جزء من عملية الإعداد والاستعداد لعبور فلسطين.
إضافة إلى ذلك، ترسخ المناورة وحدة الجبهات والساحات التي بدأ يعترف بها الاحتلال، مشيرًا، إلى أن كل التصريحات الإسرائيلية تدلل على خشيتهم من تهديد أمني سيواجهونه، وفق نصر الله، في المقابل لا يخفي محور المقاومة علاقته المتينة، وأنه يملك غرفة عمليات مشتركة.
ويعتقد أن المناورة جزء من الاستعداد لمعركة فاصلة آتية لا محالة مع الاحتلال، كرسالة بأن جبهة لبنان على أهبة الاستعداد لأي معركة كبرى تتعلق بالتحرير، وأنها ليست تصريحات وكلام، بل هناك أمور عملياتية تحدث من أجل هذه المعركة الكبرى.
وقال: "هذا ما أكدت عليه الصواريخ التي انطلقت من لبنان خلال شهر رمضان المبارك؛ ردًّا على الاعتداء على المعتكفين"، معتقدًا، أن العلاقة بين المقاومة في لبنان وفلسطين تخطت حدود التنسيق إلى الإعداد المشترك لمعركة كبرى.
ولفت إلى أن الاحتلال يحاول إعادة تفكيك الجبهات والساحات، وكان أحد أهداف عمليته الأخيرة في غزة فصل الساحات؛ تمهيدًا لفصل الجبهات، لكنه أخفق، والأمور تصعب عليه.
تآكل الردع الإسرائيلي
يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حمزة البشتاوي أن المناورة جاءت في سياق قوة المقاومة، واستعدادها الدائم والمستمر، وقدرتها على فرض معادلات، وأن للمقاومة سيف يحمي القدس وأسلحة متنوعة وقدرات في تطور دائم.
وقال البشتاوي لصحيفة "فلسطين": "عندما رأينا المقاومة في لبنان تجري المناورة وتستعرض قدراتها القتالية ومدى جهوزيتها وأنواعًا جديدة من الأسلحة، كالصواريخ الدقيقة التي تصل إلى مديات بعيدة وتصيب أهدافها بدقة، وامتلاكها أسلحة دفاعية، فهذا يزيد من حالة التفكك لدى الاحتلال".
ويرى أن فكرة المقاومة وثقافتها وقوتها لم تعد محصورة بجبهة واحدة، بل بعدة جبهات ترعب الاحتلال، وتجعله يفكر ألف مرة في شن عدوان، وبأنها أصبحت الدرع الحامي للشعب ومقدرات الأمة.
ويدلل على حالة تآكل الردع لدى الاحتلال بأنه لم يعد يتحدى محور المقاومة، بل تحدى رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو نفسه من أجل البقاء في الائتلاف خلال مسيرة الأعلام.