فلسطين أون لاين

ضرب من الخيال.. فوز الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح

 

من المفارقات الحديث عن شؤون فلسطينية داخلية وتقديمها على المناسبات والأحداث التي مرت بها فلسطين، في مقدمتها ذكرى النكبة في 15 مايو 1948، وأيضاً ذكرى احتلال مدينة القدس، ولكني خصصت هذا المقال للحديث عن مناسبة طرأت من جديد على الساحة الفلسطينية وهي أيضاً ذات أهمية من الناحية المعنوية جسدت مظاهر الفرح لدى الشارع الفلسطيني، تزامناً مع أنصار المقاومة في معركة “ثأر الأحرار”، وكذلك ذكرى معركة “سيف القدس”، ألا وهي فوز الكتلة الإسلامية "فلسطين المسلمة" على حساب كتلة “الشبيبة” عن حركة فتح في انتخابات مجلس طلبة جامعة النجاح الوطنية في نابلس، هو ضرب من الخيال منذ سنوات طويلة؛ حيث حصلت كتلة “فلسطين المسلمة” على 40 مقعداً من أصل 81 في حين حصلت حركة الشبيبة الطلابية على 38 مقعداً، في حين حصدت جبهة العمل التقدمي التي تمثل اليسار على 3 مقاعد، وذلك بعد مشاركة ما نسبته 69.8 من إجمالي من يحق لهم التصويت من طلبة الجامعة.

الكثير يستغرب كيف أنّ الكتلة الإسلامية فازت بعد تغييبها سنوات طويلة، بمعنى أن جيلاً جامعياً كاملاً لا يعرف الكتلة؛ اسمها أو رايتها أو رموزها، بسبب التغييب القسري من خلال المضايقات والاعتقالات التي طالت العشرات من طلبتها من قبل الاحتلال تارة والأجهزة الأمنية تارة أخرى، وفي ظل بيئة سياسية ونقابية صعبة ومُعقدة، منذ تأسيسها في السبعينيات في جامعات الضفة (بيرزيت والنجاح) -بحسب موقع الكتلة الإسلامية- وفي إثر ذلك أودّ ذكر عدد المرات التي فازت بها الكتلة الإسلامية الذراع الطلابية لحركة حماس في جامعة النجاح قبل أن تهيمن منذ عام 1995، فقد فازت في سنوات 1980 و1982 و1984 ثمّ عادت للفوز سنة 1995 لتفوز بالمجلس طوال الفترة حتى عام 2007 باستثناء عام 2005، وكذلك فازت الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت ست مرات، قبل أن تهيمن بين عامي 1996-2007، كما أن الكتلة الإسلامية في جامعة الخليل سيطرت على مجلس الطلبة منذ عام 1980 وحتى عام 2007، ولم تفز به الشبيبة (فتح) إلا في أعوام 1983 و1986 و2005، أما جامعة القدس "أبو ديس" فقد ظلّت الكتلة الإسلامية تفوز فيها من عام 1984 وحتى عام 2005.

نستخلص من هذا أن ظهور التيار الإسلامي على المشهد الفلسطيني من بعد الانتفاضة الأولى، في ظل إخفاقات السلطة الفلسطينية سياسياً وفسادها المالي والإداري، بأنه يتبنى الفكر المقاوم وينفر من الفكر المساوم، فهو أقل تجذراً من تيار الوطنية الفلسطينية الممثلة بفتح، وللتفكير معمقاً في الدلالات والمؤشرات التي شكلت هذا الفوز الكبير للكتلة الإسلامية ومدى انعكاسه على توجهات الرأي العام الفلسطيني يتمثل في الآتي:

1- تغييرات في المزاج العام للشعب الفلسطيني وخاصة بعد انكشاف زيف مشروع السلطة وقناعة الشعب أن المقاومة هي الطريق الأجدر لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وقد أصبحت المقاومة في غزة ومثيلتها بالضفة وحدة واحدة، فما تحققه المقاومة في غزة من ردع للاحتلال من الإعداد داخل غرفة العمليات المشتركة وتطوير وسائلها القتالية وضرب عمق الاحتلال، كان بالطبع له تأثير في تغيير المزاج الذي نلاحظه اليوم فى الضفة.

2- يعد فوز الكتلة الإسلامية اختراقاً لنظرية دايتون بما عرف بـ“الفلسطيني الجديد” لإعادة هندسة الجمهور الفلسطيني في الضفة بمواصفات أمنية محضة من التنسيق والتعاون مع الاحتلال تضمن له هدوءاً طويل الأمد، في حين كانت حركة حماس وأجهزتها ومؤسساتها أكبر المتضررين من هذه السياسات، إذ طال ذراعها الطلابية، التي باتت من الناحية الفعلية في حكم المحظورة وقد جمدت أنشطتها وتم تعطيل الانتخابات في بعضها، وحظر النشاط الطلابي عموماً بذريعة الانقسام.

3- مثل هذا الفوز الساحق للكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية رسالة انتصار للمقاومة ومناصريها، وقد جرت العادة في المدة الأخيرة أن يلي كلَّ عدوان الصهيوني على غزة، فوزٌ للكتلة الإسلامية، ففي عام 2015 فازت الكتلة بتلك النتيجة غير المسبوقة انعكاساً للعدوان على غزة عام 2014 والأداء الملحمي لكتائب القسام في تلك الحرب التي سمتها "العصف المأكول"، في حين تأتي نتيجة عام 2022 بفوز الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت بعد عدوان أيار/ مايو 2021، التي سمتها المقاومة الفلسطينية بـ"سيف القدس".

4- فشل سياسة الترهيب التي تتبعها الأجهزة الأمنية وما ينضوي تحت عباءتها من الزعران البلطجية المسلحين ضد الكتلة الإسلامية التي أصبحت لا تأبى بأي تهديد، وهي آخذة في الصعود، وبالنسبة لظاهرة إطلاق النار في محيط جامعة النجاح الوطنية بعد إعلان فوز الكتلة “فلسطين المسلمة”، تنم عن ظاهرة الفلتان الأمني، تماماً كما حدث من قبل بالاعتداء على أساتذة والطلاب بالضرب المبرح ومن بينهم الدكتور ناصر الدين الشاعر، واغتيال بدم بارد الطالب محمد رداد، واعتقال أفرادها، وأن هذا لم يأتِ من فراغ، بل وراء ذلك محرك سوء من أقطاب السلطة وأجهزتها الأمنية، لذا توافق سلطات الاحتلال الإسرائيلية على تزويد السلطة بالأسلحة الحديثة المتنوعة، وتسمح لها بزيادة عدد أفراد قواتها وآلياتها وعتادها العسكري، لكنّها مطمئنة أن هذا السلاح لا يوجّه إلى قوّاتها ومستوطنيها، وعليه تترك عشرات آلاف قطع السلاح في يد زعران السلطة وبلطجيتها لاستخدامه ضد المواطنين؛ لزرع الرعب والإرهاب في نفوسهم.

5- حضور التيار الإسلامي في الشريحة الطلابية، من خلال حضور الكتلة الإسلامية في الجامعات الوطنية، ما يدلل على عمق حضور التيار الإسلامي في الشريحة الطلابية، على الرغم من عملية التجريف الممنهج لها طول العقد السابق من قبل الاحتلال والسلطة معاً، بل تأثيرها إجمالاً في الحياة الأكاديمية بصورة وبأخرى، ويمكن القول إن هذا عكس حالة من “أسلمة” التعليم الجامعي لدى فئة الشباب في الضفة، الذي يميل إلى النهج المقاوم، وهذا ما نلاحظه في هبة الضفة المنتفضة والظهور بكثرة للتنظيمات مثل عرين الأسود وكتيبة جنين وكتيبة أريحا، وغيرها.

أخيراً، إن صمود الكتلة الإسلامية وكوادرها في جامعة النجاح الوطنية وبقية جامعات الضفة في وجه العاصفة، لما يتعرضون له من ضغوطات جمة من الاحتلال، والسلطة بالإضافة إلى قرارات إدارة الجامعة الرامية لتقليص حضور الحركة الطلابية، عزز من وجودها على الساحة السياسية وقد وفر عموماً لحركة حماس الفرصة لتلمس زيادة شعبيتها في الضفة، وهذا سيكون له نتائج إيجابية لمصلحة الحركة إذا ما تم إجراء انتخابات محلية بلدية أو نقابية أو حتى تشريعية ورئاسية، لحالة التأييد السياسي الكاسحة لها بين الأجيال الجديدة في الضفّة الغربية غير المسبوقة.

المصدر / فلسطين أون لاين