فلسطين أون لاين

تفوقت في الزراعة والصناعة والملاحة واحتضنت مصارف دولية

تقرير قبل النكبة.. هكذا شهدت فلسطين ازدهارًا اقتصاديًّا كبيرًا

...
الاقتصاد الفلسطيني قبل النكبة
غزة/ رامي رمانة:

شهدت فلسطين قبل نكبة 1948، ازدهارًا اقتصاديًّا واسعًا، تقلصت خلاله معدلات الفقر والبطالة، وزاد الناتج المحلي وتحسن مستوى دخل الأفراد، ما جعل فلسطين في صفوف الدول المتقدمة خاصة في المنطقة العربية.

وعرفت فلسطين قبل احتلال الجماعات الصهيونية لها نظاماً مصرفيًّا قويًّا وطنيًّا ووافدًّا، وحركة تجارية رائجة، وإنتاجًا زراعيًّا متنوعاً، وصناعات متعددة، وملاحة جوية وبحرية، وطرقاً وسكة حديد ربطتها مع دول الجوار، كما اشتهرت بفن العمارة، والمباني المتعددة الطبقات وتشييد الجسور. 

يقول الباحث والمؤرخ عبد الله كلبونة: إن فلسطين عرفت نظاماً مصرفيًّا قويًّا قبل النكبة، إذ احتضنت البنك العثماني، والبنك البريطاني للشرق الأوسط، وبنك فلسطين التجاري، وبنك فلسطين الألماني، والبنك العربي، والبنك العقاري العربي المصري، وغير ذلك من المصارف، وساهمت العملات الأجنبية وتعددها في فلسطين إلى جانب العملة الوطنية آنذاك (الجنيه) في دوران رأس المال، وتنوع السيولة النقدية.

وأضاف كلبونة لصحيفة "فلسطين" أن الجنيه الفلسطيني كان العملة الرسمية في فلسطين التاريخية وإمارة شرق الأردن، ما بين عامي 1927–1948، وكانت قوته السوقية تفوق عملة الدولار الأمريكي.

وأوضح أن فلسطين كانت تستقطب أيدي عاملة من مختلف الدول العربية، للعمل في قطاعات مختلفة، الزراعة، الصناعة، التجارة، الخدمات وغير ذلك، فكانت محط أنظار الراغبين في بناء ذاتهم كما الحال اليوم في ذهاب الفلسطينيين إلى الإمارات للعمل وتحسين مستوى الدخل.

وأشار كلبونة إلى خطوط السكك الحديدية في فلسطين، التي امتدت من العام 1920 إلى 1948 ودورها المحوري في تنشيط الحركة التجارية الداخلية والخارجية، مبيناً أن الخط الرئيس يمتد من القنطرة في مصر إلى حيفا في فلسطين، ومنها إلى بيروت، وكان هناك فروع تخدم مدن عدة مثل يافا والقدس وعكا ومرج ابن عامر.  

وبين أن خطوط السكك الحديدية في فلسطين أدت إلى ازدهار مدن وقرى فلسطينية بأكملها، خاصة تلك التي تقع على مسارها، وساهمت في زيادة التبادل التجاري بين فلسطين ودول الجوار، ما رفع ذلك من عائداتها المالية على الاقتصاد الفلسطيني.

وتطرق كلبونة إلى إنتاج فلسطين الزراعي بشقيه "النباتي والحيواني"، مبيناً أن فلسطين اشتهرت بإنتاج الخضراوات بجميع أصنافها والفواكه، والحمضيات والقطن، والزيت والزيتون، فالإنتاج كان يغطي الاحتياج المحلي، والفائض يوجه إلى الخارج.

وأضاف أن الصناعة في فلسطين، قبل النكبة ازدهرت أيضاً، مثل صناعة الصابون، والجلود، والنسيج، والحجر والرخام، والدقيق، والصناعات التحويلية القائمة على المنتجات الزراعية الأخرى، كما مكن وقوع فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط من رفدها بصنوف مختلفة من الأسماك، التي كانت تصدر إلى دول لا تطل على شواطئ بحرية.

وتبلغ المساحة الإجمالية لفلسطين التاريخية 27.009 كيلومترًا مربعًا، وتقع جنوب غرب قارة آسيا، على جنوبي الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وهي بذلك تقع في قلب العالم القديم (آسيا وإفريقيا وأوروبا)، ما جعلها جسراً بريًّا يربط أسيا بإفريقيا، والبحر المتوسط بالبحر الأحمر، ومن ثم المحيطين الأطلسي والهندي.

من جانبه بين الباحث في التاريخ د. رجب البابا أن الاحتلال الإسرائيلي قبل فرض هيمنته على فلسطين التاريخية كان يجري دراسات سرية، وأبحاثًا عديدة لانتقاء أكثر الأماكن احتواء على الثروات الطبيعية الباطنية والخارجية، والأراضي الأكثر خصوبة وربطاً للتجارة مع الخارج، وقد نجح في ذلك، إذ نجد أن دولته المزعومة قد أقيمت على أفضل وأخصب الأماكن، كما أنه يختار إنشاء مستوطناته على أماكن إستراتيجية.

وتحدث البابا في حديثه لصحيفة "فلسطين" عن فن العمارة التي عرفتها فلسطين قبل النكبة، مبيناً أن العمارة كانت تجمع ثقافات وحضارات متعددة مرت على فلسطين، وأبنية متعددة الطوابق، وجسورًا، وأندية، ومراكز ثقافية وغير ذلك.

وأضافت الدراسات أن فلسطين تمتلك أسلوبًا معماريًّا واسعًا ومتنوعًا لا يمكن تصنيفه ببساطة وفقًا للفترات التاريخيّة فحسب، وإنمّا حسب طبيعة المواد المُستخدمة أيضًا، ويرجع ذلك إلى أن هذه العمارة غنيّة بموروثها من المباني والمفردات المعماريّة، بالإضافة إلى دور العديد من الدول التي حكمت البلاد واحتلّتها، إذ امتزج الطابع المحلي مع الأجنبي.

من جانب آخر بين البابا أن حركة الطيران، ازدهرت في فلسطين، فعرفت مطار اللد الذي كان يعد من أوائل المطارات في منطقة الشرق الأوسط، أنشأته بريطانيا إبان سنوات احتلالها لفلسطين في العام 1936 تحديدًا، والذي تُطلق عليه سلطات الإحتلال اليوم مطار "بن غوريون"، ومطار القدس الدولي" قلنديا".

وأشار البابا إلى أن الدراسات والأبحاث التي تناولت واقع اقتصاد فلسطين قبل النكبة، بينت أن أهم الصناعات تركزت على التوالي في القدس، ويافا، وحيفا، والصناعات الكيماوية احتلت المرتبة الأولى من حيث عدد المنشآت، تليها صناعة المأكولات، والنسيج، والمعادن، والأخشاب، مشيراً إلى أن دائرة المشاريع الصناعية أخذت تتسع مع ظهور اليد العاملة الصناعية، كما برزت حركة نشيطة لاستيراد الآلات وبعض المواد الأولية اللازمة للصناعة.