يعيش الشاب قصي عبد الله السرخي ظروفًا لم يعهدها من قبل بفعل قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي القاضي بإجباره على هدم شقته السكنية في قرية جبل المكبر جنوبي شرق القدس المحتلة، الأحد الماضي.
ولا تقتصر الظروف نفسها على هذا الشاب المقدسي فحسب، بل إنها تمتد إلى والده ووالدته، إذ أجبر ابنهما أمام أعينهما على هدم المأوى الذي كان خاصًّا به بعد أن تزوج، وليس لديه سواه.
وصادرت سلطات الاحتلال بجريمتها الجديدة هذه فرحة استقبال قصي وعائلته أيضًا وابنته المُتوقّع إبصارها الحياة بعد أيام قليلة.
وعلى مدار يوم كامل عمل السرخي على هدم شقته السكنية، مستخدمًا العديد من الأدوات والآلات تنفيذًا لقرار الاحتلال.
ولم يكن هذا الشاب المقدسي الأول الذي هدم منزله ذاتيًّا في القدس المحتلة، إذ أجبر المئات من قبله على ذلك لتفادي تحمُّل غرامات باهظة تفرضها سلطات الاحتلال إذا نفذت آلياتها جريمة الهدم.
وقالت وفاء السرخي والدة قصي: "قبل عامين لجأنا إلى إضافة غرفة إلى شقة محمد من أجل البدء بخطوات زواجه، لكن فوجئنا بسلطات الاحتلال تخطرنا بهدم الشقة".
"لم نقف أمام هذا الإجراء التعسفي، وقررنا اللجوء إلى محامين لمحاولة استصدار قرار وقف الهدم، لكنّ محاكم الاحتلال لم تمنحنا سوى تجميد مؤقت لعملية الهدم بعد عدة إجراءات دفعنا مقابلها 80 ألف شيقل"، أضافت والدة السرخي بنبرة حزينة.
وفي الأشهر الأخيرة استأنفت سلطات الاحتلال محاولات التنغيص على السرخي وعائلته، وقد أخبرتها أنّ الموعد النهائي لتنفيذ الهدم مقرر في 14 مايو/ أيار الحالي، وفي حال عدم هدم الشقة وفق الموعد المحدد ستعمل هذه السلطات على تنفيذه مقابل فرض غرامة مالية تزيد عن 100 ألف شيقل.
وأضافت والدة السرخي: "جريمة إجبار ابني قصي على هدم منزله نغّصت علينا فرحة استقبال مولودته الأولى. لقد جاءت سلطات الاحتلال سابقًا وأخطرتنا بالهدم في اليوم الثاني لزفافه، ومع اقتراب مجيء مولودته أجبرته على هدم شقته".
وتابعت: "من الصعب أن يهدم المواطن المقدسي منزله بيده، لكنه مجبر لتفادي الغرامات".
وهذه السيدة لديها 10 من الأبناء، وأحد عشر حفيدًا، يواجهون خطر التهجير بفعل جرائم الهدم الإسرائيلية التي لا تتوقف في جبل المكبر وغيره من أحياء وقرى مدينة القدس المحتلة.
وأكملت: أن يبني الإنسان مكانًا يعتقد أنّ مستقبله سيكون فيه، وفي النهاية يهدمه بيده، فهذا أمر صعب للغاية.
اقرأ أيضًا: بالصور الاحتلال يجبر مقدسيًّا على هدم غرفة سكنية بمنزله
وبحسب قولها، فإنّ سلطات الاحتلال هدمت الأسبوع الماضي بركسات مخصصة لتربية الأغنام تملكها العائلة، وتُعدُّ مصدر رزق أساسي لبعض أفرادها.
وتتخذ سلطات الاحتلال من البناء بدون ترخيص حجةً لهدم منازل المقدسيين ضمن مخطط تتبعه منذ احتلالها مدينة القدس، بهدف تغيير الواقع الديمغرافي لصالح المستوطنين اليهود على حساب سكانها الأصليين.
ويتزامن استمرار عمليات الهدم مع الذكرى الـ 75 للنكبة التي يحييها شعبنا في منتصف مايو من كل عام.
وبدا عبد الله السرخيو -والد قصي- في أشد حالاته حزنًا بعد قرار الاحتلال هدم شقة ابنه.
وقد فضّل السرخي أن يشارك نجله في الهدم بدلًا من أن تُنفّذ سلطات الاحتلال ذلك، ولا سيما أنها تُدمّر بعنف شديد وتترك وراءها خرابًا كبيرًا لا يقتصر على الجزء المقرر هدمه.
وأضاف: "عندما يُنفّذ الاحتلال الهدم يجبر أصحاب المنزل أو الشقة المهدومة على دفع غرامات خيالية، ولتفادي ذلك يجب هدمها ذاتيًّا. إنّ هذا الإجراء كمن يحاول أن يقتل نفسه وأفراد عائلته لكننا مجبرون".
وأكد أنّ انتهاكات سلطات الاحتلال وقرار هدم شقة نجله، سيترك تداعيات إنسانية كبيرة على قصي وزوجته وابنته مستقبلًا أيضًا، وقد أصبحوا جميعًا بلا مأوى.
حتى أنّ هذا الرجل وبسبب تعطُّله عن العمل، لا يملك مزيدًا من المال لمساعدة نجله في استئجار شقة صغيرة يأوي فيها زوجته.
وتتركز عمليات الهدم حاليًّا في قرية جبل المكبر، إذ هدمت سلطات الاحتلال قبل أيام منزلًا مكونًا من شقتيْن سكنيتين تقطنهما أسرتا الشقيقين المقدسيين فراس وعلي شقيرات.
وتحظى قرية جبل المكبر بأهمية تاريخية إسلامية تنسب إلى الصحابي عمر بن الخطاب الذي كبَّر في أثناء وجوده فيها عند استلامه مفاتيح القدس بعد الفتح الإسلامي.
وبحسب معطيات موثقة لدى مؤسسات حقوقية وأهلية، فإنّ عدد المنشآت التي هدمت ذاتيًّا في القدس بلغ 579 منشأة من أصل 5695 هدمتها سلطات الاحتلال منذ احتلالها مدينة القدس بالكامل سنة 1967 وحتى نهاية أغسطس/ آب 2022، بينها 87 بالمئة منازل مواطنين مقدسيين.