تعكس التطورات المتلاحقة في الأراضي الفلسطينية خاصة التي احتلتها (إسرائيل) إبَّان نكبة 1948، وما رافقها من انقسام في مجتمع المستوطنين اليهود، طبيعة التغيُّرات السياسية التي يرى مراقبون أنها تترك تداعيات سلبية على كيان الاحتلال في الذكرى الـ 75 للنكبة.
وتتضح أبرز التطورات السياسية بتقدم العمل المقاوم في الداخل المحتل بدلالة سلسلة العمليات الفدائية التي نفذها مواطنون من فلسطينيي الداخل واستهدفت جنودًا ومستوطنين، فضلاً عن تسلل مقاومين من الضفة الغربية لتنفيذ عمليات في (تل أبيب) ومدن مركزية أخرى.
وقال نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح في الداخل المحتل د. إبراهيم أبو جابر: إن الرفض الفلسطيني للاحتلال يتصاعد في إثر سلسلة القوانين العنصرية التي أقرتها (إسرائيل) في السنوات الأخيرة، وخاصة ما يتعلق بما يسمى "قانون القومية"، و"منع لم الشمل" و"المواطنة"، وغيرها من القوانين العنصرية.
وأضاف أبو جابر لصحيفة "فلسطين" أن عنصرية الاحتلال تدفعه إلى التلميح لسكان شمالي فلسطيني باستمرار إلى إمكانية ترحيلهم، والتمييز بين فلسطينيي الداخل اليهود، وقد أجج ذلك الأوضاع وفجرها بدلالة هبة الكرامة في 2021.
ورجح إمكانية تدهور الأوضاع مجددًا في أراضي الـ48 وتفجرها مجددًا إذا استمرت سياسات الاحتلال العنصرية في ظل حكومة الائتلاف اليميني المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو.
وأشار إلى أن التحولات السياسية في كيان الاحتلال التي تتزامن مع الذكرى الـ 75 للنكبة، تشير بوضوح إلى تراجع حضور المؤسسة الإسرائيلية وضعف قوتها، وممكن أن تتبع ذلك انتخابات قريبة جدًا، وتعميق الشرخ والانقسام بين الأحزاب السياسية ومجتمع المستوطنين.
منحى جديد
ويؤكد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن جواد الحمد، أن الواقع السياسي في الأراضي الفلسطينية ولا سيما في الداخل المحتل يتخذ منحى جديدًا تتجلى فيه الفكرة الوطنية والقومية والإسلامية القائمة على رفض الاحتلال الإسرائيلي، ومقاومته.
وأضاف الحمد لـ"فلسطين" أن استغلال الظروف التي يمر بها كيان الاحتلال من انقسام المجتمع الإسرائيلي وعدم استقرار الحكومات والأوضاع السياسية فيه، يمكن أن يعود بالنفع على واقع فلسطينيي الداخل.
وتابع أن الانقسام الحاصل في المجتمع الإسرائيلي بعد 75 سنة على تأسيس الكيان كبير جدًا، ويؤثر تأثيرًا بالغًا في التحول السياسي والاجتماعي بما يساعد مستقبلاً على إنهاء الاحتلال واضعاف الدولة، مبينًا أن هذه الظروف تخدم مشروع التحرر الوطني الفلسطيني في الوطن والشتات.
واستدرك: أن الأوضاع الحالية أفضل مما كانت عليه من قبل بالنسبة لفلسطيني الداخل، خاصة فيما يتعلق بالبعد الوطني والقومي والإسلامي والقدرة على تحدي الاحتلال وتحمل نتائجه.
اقرأ أيضاً: الخطيب: المقاومة خلقت انقسامات في المجتمع الإسرائيلي
ودلل الحمد على ذلك بهبة الكرامة في أراضي الـ 48، المرافقة لمعركة سيف القدس التي خاضتها كتائب القسام ومعها فصائل المقاومة في مايو/ أيار 2021، بعد تصاعد جرائم وانتهاكات الاحتلال بحي الشيخ جراح في القدس المحتلة، والمسجد الأقصى أيضًا.
وانطلقت الهبة في عدة مدن بالداخل ومنها اللد، وحيفا، وأم الفحم، وغيرها من مدن الداخل، وتصدى خلالها المواطنون لانتهاكات سلطات الاحتلال التي صعدت من إجراءاتها وقوانينها العنصرية في المدة الأخيرة.
وأكد أن الشباب الفلسطيني في الداخل المحتل أصبح يملك القوة والقدرة والجرأة والكفاءة في وجه محاولات الاحتلال المستمرة لتدمير بنية مجتمع فلسطينيي الداخل، لكنها لم تنجح في كسر الحركة الوطنية والإسلامية على الرغم من استهدافها المتعمد.
لكن في نفس الوقت فإن التحديات كبيرة أمامهم، وهي بحاجة إلى قوة وقدرة اجتماعية فلسطينية لتجاوز أي عقبات أو معيقات أمام تحقيق أهدافهم الوطنية.
ونبَّه إلى أن فلسطينيي الداخل وفي ظل تصاعد عنصرية الاحتلال ضدهم، أصبحت لديهم جهوزية لأن يكونوا جزءًا من المشروع الوطني الفلسطيني.
وعدَّ أن التحولات السياسية في كيان الاحتلال تخدم بلا شك حالة النهوض الوطني في الداخل، مشيرًا إلى أن الانقسام في مجتمع المستوطنين قديم ومتعدد بناءً على أسس شرقية وحزبية ودينية.
مواجهة الانتهاكات
من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي راسم عبيدات: إنه بعد 75 سنة من الاحتلال استطاع أبناء الشعب الفلسطيني الثبات على أراضيهم في الداخل المحتل ومواجهة انتهاكات الاحتلال وعنصرية قوانينه.
وأضاف عبيدات لـ "فلسطين" أنه بالرغم من مخططات التهويد والتهجير فإن فلسطينيي الداخل يشكلون 20 بالمئة من سكان أراضي الـ 48، وينظر الاحتلال لهذه النسبة أنها قوة مركزية تتمسك بهويتها وثقافتها وقوميتها، وهو يعدها "غدَّة سرطانية تضرب بعمق كيان الاحتلال".
وأشار إلى أهمية دور فلسطينيي الداخل في مقاومة الاحتلال والاستيطان ومواجهة محاولات السيطرة على المسجد الأقصى وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، ولذلك تعدهم الأذرع السياسية والأمنية لكيان الاحتلال أحد أبرز الأخطار المحدقة القريبة منه، ولذلك يعمل بقوة لتنفيذ عمليات تهويد واسعة في النقب جنوبي فلسطين المحتلة، والمثلث والجليل الأعلى، شمالاً، والقدس وغيرها من المناطق الفلسطينية المحتلة.
واستدرك أن الاحتلال مستعد للتعامل مع أي ظروف وإجراءات للتخلص من فلسطينيي الداخل، لكن ما يحول دون ذلك زيادة الوعي لدى هؤلاء المواطنين، ما يجعلهم أكثر ثباتًا على أراضيهم وتمسكًا بها.