فلسطين أون لاين

العدوان على غزة وفشل “فرِّق تسد”

 

بينما كان الهدوء والليل يعمان قطاع غزة باغتت الطائرات الحربية الإسرائيلية فجر يوم الثلاثاء هدفين في القطاع، وهما منزلان لقائدين عسكريين في حركة "الجهاد الإسلامي".

وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم دولة الاحتلال عنصر المباغتة في عمليات الاغتيال، فقد أدت الضربة الجوية الغادرة الأولى لغزة في نهاية عام 2008، إلى اغتيال الشهيد أحمد الجعبري القيادي في "كتائب القسام" في 2012، وفي اغتيال الشهيد تيسير الجعبري القيادي في "الجهاد الإسلامي" في 2022، حيث يتبع الاحتلال أسلوب المباغتة والغدر منذ عقود طويلة لتفادي أي خسائر في صفوفه، فقد اغتال الاحتلال من قبل قادة فلسطينيين على رأسهم الشهيد أحمد ياسين، والشهيد عبد العزيز الرنتيسي، والشهيد صلاح شحادة، والشهيد خليل الوزير، والشهيد أبو علي مصطفى، والشهيد فتحي الشقاقي.

وعلى هذا النحو فقد بدأ الاحتلال عدوانه على غزة باغتيال غادر لثلاثة قادة في حركة الجهاد الإسلامي هم: مسؤول المنطقة الشمالية الشهيد خليل البهتيني، ومسؤول المنطقة الجنوبية الشهيد جهاد غنام، ومسؤول ملف الضفة الشهيد طارق عز الدين، إضافة إلى الطبيب الشهيد جمال خصوان وزوجته، وكان آخرها اغتيال قائد آخر في "سرايا القدس في خانيونس، علي حسن غالي، في إثر قصف جوي لشقة سكنية بمدينة حمد أمس فجر الخميس وأودى أيضاً بحياة اثنين وإصابة آخرين.

لم يكن العدوان الهمجي الصهيوني الأخير موجهاً ضد حركة الجهاد الإسلامي تحديداً، كما قد يعتقد البعض، بناء على ادعاءات الاحتلال، ولم يستهدف غزة وحدها، بل يأتي ضمن مسلسل الحرب الدامية التي يشنها على الشعب الفلسطيني بأسره وفي كل أماكن وجوده، لاقتلاعه من أرضه وإحلال مشروعه الاستيطاني الصهيوني.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذا العدوان الغادر والمباغت على غزة في هذا الوقت بالذات؟

الإجابة عن هذا السؤال تتطلب العودة إلى مخيم جنين، مروراً بنابلس وأريحا والأغوار والنقب، والقدس وصولًا إلى ما يحصل في غزة الأب الروحي للمقاومة، وأيضا الأم الحاضنة للفصائل الفلسطينية المقاومة، وعنوان الصمود وكسر المعادلات الأمنية للاحتلال لما تمتلكه من توازن القوى، التي أبطلت نظرية “الردع” في كل جولة قتالية، كان آخرها “سيف القدس” في عام 2021.

لقد أخطأ قادة الاحتلال التقدير في هذا العدوان، باعتقادهم أنهم ينجحون في التفريق بين فصائل المقاومة أو الاستفراد بفصيل، بدليل أن جميع فصائل المقاومة أصبحت منذ زمن بعيد يداً واحدة وبمرجعية واحدة وقرار عسكري واحد متمثلاً في غرفة العمليات المشتركة، وأن وحدة الساحات شاهدة على ذلك، لذا يعد العدوان الصهيوني على غزة عدوناً شاملًا، يمتد على حملتين: الأولى تحت عنوان “كاسر الأمواج” وتدور ساحتها في الضفة المحتلة عموماً، أما الثانية فهي المعركة التي تدور رحاها اليوم على ساحة غزة بـ”ثأر الأحرار”.

ما يؤلم الاحتلال اليوم هو استمرار المعادلة القائمة “القصف بالقصف” و”الردع بالردع”، بل إن ما يقلقه أكثر هو وحدة الساحات التي كسرت شوكة “الردع” لدى الاحتلال، الذي يسعى اليوم إلى ترميم منظومة الفصل الإسرائيلية بين الجبهات الفلسطينيّة المختلفة: الإبقاء على حالة “الاستاتيكو” في الضفة الغربية، ومواصلة عزل غزة عما يحصل في الضفة والقدس المحتلتين، بمعنى منع تثبيت معادلة الربط بين غزة وما يجري في الضفة الغربية، لذا يحاول الاحتلال قطع الربط بين الجبهتين الذي فرضته معركة “سيف القدس”.

على ما يبدو أن الاحتلال تعلم من درس “سيف القدس”، فهو يحاول التفريق بين فصائل المقاومة، برغبته عند كل عدوان في عدم دخول حركة حماس إلى المعركة، رغم الادعاء بأن جيش الاحتلال قد تجهز، فهو لا يقدم على أي عمل عسكري إلا وقد أعد له جيداً من القوة المفرطة، كما يزعم، بهدف إنهاء العدوان بأقل الخسائر وأقصر وقت ممكن، لذا يخشى الاحتلال أن تطول المعركة، لأن هذا سيكبده خسائر، ويضاعف فشله أمنياً وعسكرياً تجاه المقاومة، ويبدو أنه يريد أن يحافظ على ما يعده نصراً باغتياله قادة سرايا القدس، ولكن مع استمرار سقوط الصواريخ داخل مدن فلسطين المحتلة، وخصوصاً مدن الوسط والمركز مثل (تل أبيب)، فإن إنجاز الاغتيال سيتلاشى، وما بدا صورة نصر سينقلب إلى فشل ذريع وتآكل “الردع”.

إن سعي الاحتلال المتلهف لوقف العدوان على غزة عبر وساطات خارجية يأتي في سياق هذين السببين، وهما:

أولاً- أن إطالة أمد العدوان على غزة ستفتح عليه الكثير من التهديدات الداخلية والخارجية، فعلى الصعيد الخارجي يخشى أن تتطور المعركة ويطول أمدها، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب متعددة الجبهات، تشارك فيها كل مكونات محور المقاومة، وعلى أثرها قد تتحرك المدن والقرى العربية في الداخل المحتل.

ثانياً- لأنه لا يحتمل أن يبقى تحت تهديد الاستهداف، وبقاء مستوطنات الغلاف تحت حظر التجوال، الأمر الذي يدفعه إلى إنهاء المواجهة الحالية بأسرع وقت، حتى لا يدخل في معركة استنزاف طويلة مع المقاومة الفلسطينية في غزة. فأكثر ما يخشاه الاحتلال أن تتحول المواجهة مع المقاومة إلى معركة استنزاف لن يقوى على تحمل تبعاتها السياسية والاقتصادية. إذا ما ضربنا مثلاً صغيراً على التكاليف العسكرية فعلى سبيل المثال، حسب ما أعلنته مصادر صهيونية، فإن سعر صاروخ “القبة الحديدية” الفاشلة وما يسمى ”مقلاع داود” يصل إلى مليون دولار، ناهيك بالانقسام العمودي في المجتمع الصهيوني والتظاهرات اليومية ضد هذه الحكومة العنصرية، وعلى ما يبدو أن نتنياهو يريد حفظ ماء وجهه وتصوير العدوان انتصارًا.

 

المصدر / فلسطين أون لاين