لم يستطع "محمد" ذو السبعة أعوام تفهم ما يحدث حوله من قصف وأصوات مرعبة تخترق آذانه من حينٍ لآخر، فيهرع لحضن أمه مرتعبًا مستفسرًا عما يدور حوله. وما يزيد رعبه الخوف الذي يلمحه في عيون أشقائه الآخرين الذين يدركون ما لهذا القصف من تبعات ويخشون أنْ يكونوا هم الضحايا القادمون له.
ما يحدث مع محمد هو صورة عما يجري يوميًا في بيوت الغزيين في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر عليهم، وما يتضمنه من جرائم حرب من قصف للمدنيين العزل ليرتقوا بين شهيدٍ وجريح، وتدمير البيوت الآمنة على مَنْ فيها، ما يجعل الآباء والأمهات في حيرة عن كيفية التعامل مع أبنائهم في هذه الظروف العصيبة.
المحيط الاجتماعي
الأخصائي النفسي والاجتماعي إيهاب العجرمي يقول: "لا غرابة أن يسأل الطفل في هذه الأيام أسئلة معقدة وصعبة وغالباً ما تسوء حالته النفسية وللأسف في معظم الأحوال يتم التعامل مع الطفل كفرد عادي".
واستدرك بالقول: "لكن في الحقيقة يجب أن يُعامل بشكل خاص لأنه في أمس الشعور للاستقرار والأمن النفسي في ظل عدم شعوره بالأمان والاستقرار لما يحدث حوله (فهو يسمع أصوات الطائرات والانفجارات وقد يرى إطلاق الصواريخ والدخان المتصاعد).
وما يجدر التنبيه إليه، وفق العجرمي، أن الطفل يستمد الشعور بالأمن والطمأنينة ممن حوله من الكبار، وما يحدث للطفل من قلق وخوف ما هو إلا انعكاس لما يحدث لحالة الكبار من القلق والخوف، ناصحاً الأهل بإخفاء مشاعر القلق والخوف قدر المستطاع.
وفصّل آلية التعامل بالقول: "الأطفال من سن 3-6 سنوات يخلطون الحقائق بالخيال فلا تمدهم بمعلومات أكثر مما يسألون عنه، هم بحاجة أكثر إلى الاطمئنان إلى أنهم ليسوا في خطر أو أن الخطر بعيد عنهم، وأن البالغين يقومون بحمايتهم، وبعضهم يفضلون أن يمارسوا اللعب وأنشطة الرسم، والتلوين، أو المشاركة في نشاط يعبرون من خلاله عن مشاعرهم مثل التمثيل والدراما واللعب مع الدمى".
وتبعًا للعجرمي، فإن الأطفال في سن المدرسة وتشمل: الطفولة المتوسطة (6-9 أعوام)، والطفولة المتأخرة (10- 12 عامًا)، فيهتمون أكثر بموضوع الأمن والانفصال وقد يقومون بطرح أسئلة خاصة عن الحرب، مبينًا أهمية أن يعرف المربي المعلومات التي يمتلكها الطفل ويعمل على تصحيح أي معلومات خاطئة يكون ابنه قد تلقاها من آخرين، والشرح لهم بأن الناس لديها أفكار مختلفة.
ويُطَالب الأهل عند التحدث مع الطفل بأن يكونوا عند مستوى نظره ولا يتكلموا معه من وضع الوقوف وأن يتكلموا ببساطة ووضوح، داعياً إياهم للتحلي بالصبر والهدوء عند الحديث وطريقة التصرف وتزويد الأطفال بمعلومات تبعث الطمأنينة في النفس.
نصائح
ومضى إلى القول ناصحًا: "الأطفال يستجيبون للأشخاص المرحين فاحرص على الابتسامة ومرونة الأداء والحوار، وعند تبليغ الأخبار السيئة: أوجد الوقت الملائم للقيام بذلك، أبلغ الأخبار السيئة بطريقة تدريجية، أعط المعلومات المتوفرة من دون الإيحاء بآمال كاذبة وقل الأشياء بطريقة بسيطة وملائمة (ومن الأفضل ألا يتم إخفاء الحقيقة).
ودعا الأهل للعمل على عزل واحتواء الأطفال المذعورين والمضطربين إذا استطاعوا ذلك بغية تفادي أي انتشار لحالة الذعر أو الاضطراب، قائلاً: "عليكم إدراك انفعال الطفل وعدم استهجانه ويجب السماح للطفل بالبكاء للتخلص من الألم مع تفادي البكاء أمامه لأنه بحاجة إلى من يدعمه".
كما حث الأهل على منح الطفل الحب والحنان والاحترام دائماً مهما كانت الصعوبات والضغوطات، فالطفل بحاجة للشعور بالحب والحنان ممن حوله وخاصة المقربين منه.
سوء إدارة
في حين عدّت المختصة بالصحة النفسية وتطوير التدريب الذاتي د. إيمان أبو قوطة، التعامل مع هكذا أوضاع مهم جداً وحساس لضمان عدم حدوث اضطرابات نفسية سيئة جدًا عند الأطفال، "إذا لم نحسن التعامل معهم في هذه الفترة العصيبة".
وتشدد على أن هذه الآثار السلبية تنتج بشكل رئيسي عن سوء إدارة الوالديْن لحالة الحرب مع الأطفال، ما يعمل على ولادة اضطرابات نفسية جسمانية أو معنوية".
وتشمل تلك الاضطرابات، وفق قوطة، الهلع والفزع الشديد وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالخوف بشكل دائم وعدم الأمان، وقد يحدث للطفل اضطرابات التبول اللإرادي أو الامتناع عن الطعام أو الشره في تناوله، أو أمراض جسدية نفسية المنشأ بأن يكون هناك أعراض جسدية لا تفسير لها طبياً كحالة رجفة وعدم توازن وغثيان وتقيؤ وكوابيس أثناء النوم أو بقع جلدية أو أكزيما.
وتبين أن الطفل الفلسطيني ذكي جداً كونه ينشأ في ظروف صعبة لذلك على الأهل أن يحترموا ذكاء ابنهم وعدم الرد عليه بردود واهية، وأن نوصل لهم الصورة بأسلوب سلس فيه طمأنينة، "وعدم خداعهم بأن القصف ألعاب نارية ومفرقعات فهذا سلوك خاطئ، وتفسير أي حدث قريب منهم بشفافية".
ونبهت إلى ضرورة ألا ينفعل الأهل بشكل مبالغ فيه عند حدوث قصف بجوار المنزل، وعدم تهويله، وشرح مكانة الشهيد للطفل، وتهيئتهم لكيفية التعامل مع حالة الفقد للأعزاء.