سألها "هل ترضين عني؟"، فردَّت: "الله يرضى عنك دنيا وآخرة"، كانت هذه آخر كلمات بين الشاب ديار العمري ووالدته قبل أن تطاله رصاصات الغدر الإسرائيلية.
تصف ابنها بأنه "حنون جدًا وحبيب قلبها وروحها"، وهي ما تزال تحت وقع الصدمة بعد فقدانه في إثر جريمة إعدام نفذها مستوطن بدم بارد مساء السبت الماضي.
كان كل شيء على ما يرام في صباح ذلك اليوم بمنزل عائلة العمري ببلدة صندلة الواقعة في مرج بن عامر، شمالي فلسطين المحتلة، ودار حديث بين الأم وابنها ووعدته أن تعدّ له وجبة الغداء التي يحبها.
سألها عن خبز الطابون، وكانت قد وفرته له لأنها تعرف أنه مفضل له.
لم تمضِ سوى ساعات قليلة حتى تناول العمري البالغ (20 عامًا) وجبة الطعام مع عائلته، ليبدأ بعدها الحديث مع والده في مواضيع أسرية.
قال والده حينها: سأشتري لك مركبة لتعمل عليها، وسأله أيضًا: ما نوع المركبة التي تريدها؟ وفضَّل العمري عندها مركبة "تندر".
وقبل أن يغادر منزل العائلة، طبع قبلة حانية على جبين أمه قبل أن يتركها، لكنهما لم يعرفا أن ذلك هو اللقاء الأخير بينهما.
أكثر ما يؤلم والدة الشهيد أنها هنأت ابنها في اليوم السابق لاستشهاده بمناسبة حلول ذكرى ميلاده، قائلة له: "أعوامك كلها سعادة حبيبي أحلى ديار".
ووثق مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي جريمة إطلاق النار التي نفذها المستوطن "دنيس بوكين" (32 عامًا) من مستوطنة "موشاف عان نير".
وحمَّلت والدة الشهيد حكومة الاحتلال المسؤولية عن جريمة إعدام ابنها، وتساءلت: عندما يقتل العربي مستوطنًا يُهدم بيته، ماذا ستفعل حكومة الاحتلال للمستوطن قاتل ابني؟
أما والد الشهيد العمري، عدَّ أن قاتل ابنه "تلميذ" وزير ما يسمى "الأمن القومي" إيتمار بن غفير، خاصة أنه منح الصلاحية الكاملة بحمل المستوطنين للسلاح وقتل العربي لأنه عربي، تنفيذًا لتعليمات حكومات الاحتلال.
وأضاف: "ديار لم يمثل أي خطر أو تهديد على حياة قاتله، إذ إنه هو الذي استفز ابني وأخرجه من السيارة حتى تصل الأمور إلى عراك بالأيدي، ولو أراد أن يعاركه كما يجب لقتله دون استخدام أي وسائل، لكنه أراد أن يبعد هذا القرف عنه، وعندما ابتعد أطلق الغدّار (المستوطن) النار من الخلف".
وأصابت 5 رصاصات على الأقل أطلقها المستوطن من مسدس، الجزء العلوي من جسد العمري ما يدلل على أن منفذ عملية الإعدام، وهو جندي احتياط في لواء "غولاني" عاد حديثًا من الخدمة، أراد القتل العمد.
وعقب جريمة الإعدام، اعتقلت شرطة الاحتلال منفذها دنيس بوكين، ومددت اعتقاله 7 أيام على ذمة التحقيق.
لكن والد الشهيد يرفض بشدة ادعاءات سلطات الاحتلال بأن المستوطن كان تحت تأثير "المشروبات الكحولية" عندما أطلق النيران صوب ابنها العمري.
وقال: "حسب القانون (الإسرائيلي) من يكون تحت تأثير "الكحول" لا يستطيع أن يقود المركبة، فكيف لشخص تحت تأثيرها أن يقود مركبة ويمسك شخصًا وينزل من المركبة ويقوم بالعراك معه.. هذه ادعاءات واهية".
وبحسب موقع "عرب 48"، فإن سلطات الاحتلال صدَّقت قبل أيام على تقليص إجراءات إصدار رخصة لحمل السلاح وتقصير مدة إصدارها بإيعاز من المتطرف "بن غفير".
وعلَّق يوسف عطاونة النائب عن قائمة الجبهة والعربية للتغيير في الداخل المحتل: "ديار قتل برصاص مستوطن مجرم حاقد، ومن يتمعّن بمشاهدة الفيديو الذي يوثِّق جريمة الإعدام يعي تمامًا كم هي أخلاق ديار عالية، وكم هذا المجرم القاتل مشبع بالكراهية وتحريض المؤسسة" (حكومة الاحتلال).
وأضاف عطاونة في منشور على حسابه في موقع "فيس بوك": "الفرق بين استشهاد الدكتور محمد العصيبي وديار العمري أن في حالة العصيبي اختفت كاميرات المراقبة بقدرة قادر".
وتعهد بـ"متابعة قضية التحريض الهستيري من سدّة الحكم (حكومة الاحتلال) للشارع الإسرائيلي وتشجيع سهولة الضغط على الزناد عندما تكون هوية الضحية عربية".
والدكتور العصيبي شاب فلسطيني من قرية حورة في النقب، أعدمته شرطة الاحتلال مطلع أبريل/ نيسان الماضي، عند زيارته المسجد الأقصى وتحديدًا قرب باب السلسلة.
وكان الشهيد العمري رفض وضع صورته برفقة والدته للتعريف بحسابه على تطبيق المحادثات "واتس آب" بدعوى أن الكثيرين ليس عندهم أمهات، كما تقول والدته، لكنها الآن ستخلد كل لحظة قضتها وصورة التقطها مع ابنها الذي غادرها دون إذن منها.
وكان 15 طفلًا من بلدة صندلة تتراوح أعمارهم بين 8- 13 عامًا، استشهدوا دفعة واحدة في 17 سبتمبر/ أيلول 1957، وهم في طريق العودة من المدرسة الواقعة في قرية مقيبلة المجاورة، حيث أثار فضولهم جسم مشبوه على الطريق وكان عبارة عن لغم انفجر وتسبب باستشهادهم، وأصاب 3 آخرين.