المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي أمس الخميس في البلدة القديمة بنابلس، التي أسفرت عن ارتقاء ثلاث فلسطينيين هم: حسن قطناني، ومعاذ المصري، وإبراهيم جبر، إذ يدّعي الاحتلال أنهم نفذوا عملية الأغوار الفدائية الشهر الماضي، تتويج لسياسة البطش والقتل والإعدامات الميدانية المتواصلة التي يمارسها جنود الاحتلال في بقاع الأرض الفلسطينية المختلفة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف توصل الاحتلال إلى هؤلاء الشهداء، وكيف استطاع اختراق قلب المدينة بكل سهولة؟ الجواب المعروف لكل فلسطيني، إن التنسيق والتعاون الأمني بين الاحتلال والسلطة التي تهيئ الأجواء لتنفيذ عملياته الأمنية، والهدف مشترك وهو قمع المقاومة والقضاء على ما يسميه الاحتلال "بالبؤر"، والحقيقة أن سياسة القتل هي ثابت من ثوابت السياسة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، وقد زادت وتيرتها في ظل حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف المتعطش للدم الفلسطيني، سواء كان بالإعدامات الميدانية، أو بتعذيب الأسرى وقتلهم، أو بقصف المدنيين بالمدافع والطائرات الحربية.
صحيح أن مجزرة نابلس اقترفتها أيادي الغدر والإجرام لقوات الاحتلال، ولكنها باسم الحكومة العنصرية برئاسة "نتنياهو" الممثلة بالثلة المتطرفة أمثال "سموتريتش" و"بن غفير"، ولكن يرجع أصلها إلى ثقافة القتل بكونها طريقة موروثة من العصابات الصهيونية منذ نكبة 1948، ويتعاقب عليها الأجيال والحكومات الإسرائيلية، فالأول ينكر تاريخ النكبة وما تخللها من مجازر جماعية وتهجير وتطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني، تمهيدًا لإقامة كيانه الغاصب على أنقاض الشعب الفلسطيني، ويرى أنه يستطيع استكمال المهمة استكمالًا أفضل بإراقة المزيد من الدماء الفلسطينية، فهذا المحلل العسكري الإسرائيلي أمير أورن، كتب في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، أن سموتريتش يخطط لنكبة ثانية، فهو يعتقد أن التاريخ يعود معه وبفضله ومن الممكن العودة إلى الأيام التي أعقبت عام 1948، في التعامل مع فلسطينيي الداخل ومع فلسطينيي الضفة وغزة والقدس، والكاتب اليساري يهودا شنهاف قال: إن القادة الإسرائيليين، من الجناح اليميني بالذات، لا يعترفون بارتكاب النكبة إلا عندما يريدون تهديد الفلسطينيين بنكبة ثانية، فيقتحمون المسجد الأقصى وينكلون بالأسرى الفلسطينيين القابعين في سجونهم ويهددون بتنفيذ "حارس أسوار 2" في الضفة المحتلة، ويطالبون لهذا الغرض بزيادة كبيرة في ميزانية الشرطة التي يتولّونها، بهدف إقامة وحدة "حرس وطني" تكون تابعة لهم، للزيادة في القتل والإجرام.
فالاحتلال لم يوقف مجازره يومًا ضد الشعب الفلسطيني، فقد سبق مجزرة نابلس استشهاد الأسير الشيخ خضر عدنان، الذي قاوم الاحتلال بإضرابه عن الطعام لأكثر من شهرين، احتجاجًا على اعتقاله الإداري، أي قتل متعمد بدم بارد مع سبق الإصرار والترصد، لأن قادة الإحتلال هددوا من قبل بتنفيذ سياسة تصفية الشخصيات الفلسطينية، ويعد الشهيد عدنان أحد أبرز قادة حركة الجهاد الإسلامي في الضفة، ولكنَّ الاحتلال كان يخطط لأبعد من ذلك وهو استرجاع هيبته العسكرية الردعية التي تآكلت في السنوات السابقة ولا سيما بعد هزيمته في معركة "سيف القدس"، فأراد الاحتلال تغيير قواعد الاشتباك بجر المقاومة للتصعيد، لأنه يعلم أنها لن تسكت على هذه الجريمة، فتفاجأ بردها الصاروخي العنيف على المستوطنات في غلاف قطاع غزة، وطلب الوساطة للتهدئة، وكان هذا يمثل صفعة مدوية لقادة حكومة الاحتلال، التي تبحث عن تحقيق أي إنجاز أمني لتحفظ به ماء وجهها أمام سخط المعارضة التي تقود تظاهرات يومية لإسقاطها، فذهب الاحتلال في اليوم التالي إلى ما يعدها الخاصرة الأضعف بالتصعيد في الضفة المحتلة بارتكاب مجزرة نابلس كإنجاز، للفت أنظار الرأي العام الإسرائيلي عن فشله العسكري في مقارعة غزة.
فما تقترفه (إسرائيل) من جرائم ومجازر ضد الشعب الفلسطيني يعد إنتهاكًا لحقوق الإنسان ومخالفة القانون الدولي على رأسها اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949م، فهي تخالف قواعد إطلاق النار المعمول بها لدى الجيوش النظامية، التي تندرج في حالات الخطر الداهم، إذا كان هناك خطر محتم يجب أن يصرخ الجندي بأعلى صوته باللغة التي يفهمها الشخص لشد انتباهه، وإذا لم ينتبه واستمر بالاقتراب ومثَّل عليه خطورة يطلق النار في الهواء من أجل إخافَته، ثم إذا لم ينتهِ الخطر الجدي، يمكن للجندي إطلاق النار صوب قدميه لإيقافه، وبعد ذلك عليه تقديم المساعدة الطبية للجريح، وليس قتله بدم بارد وتركه ينزف حتى الموت، كما يفعل جنود الاحتلال دون حسيب أو رقيب، وأغلب الحالات يمكن تحييد الضحية بسهولة دون الحاجة لقتله، وكما -أسلفت- فما ترتكبه قوات الاحتلال تعد جرائم حرب تستوجب المحاسبة.