لم يرق للفنانة ولاء الداري أنْ تكون أسماء الشهداء خبراً عابراً عقب ارتقائهم بشكل شبه يومي في خضم نضال شعبها ضد الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم ينفك عن ممارسة إجرامه ضد الشعب الفلسطيني، ولكيلا يكون الشهداء مجرد خبر ورقم رسمت بأناملها المبدعة لوحاتٍ لوجوههم تخليدًا لذكراهم.
فيديوهات قصيرة
ولم تتوقف الداري من مدينة نابلس عند رسم اللوحات، بل صنعت فيديوهات قصيرة للمراحل التي تمر بها اللوحة من خطوط الوجه الأولى حتى تصبح صورة طبق الأصل عن الشخصية التي تريد، لتثير الفضول في نفوس كل من يشاهد تلك الفيديوهات، حتى ذاع صيتها خارج فلسطين أيضًا.
فالرسم موهبة فطرية لدى الداري الحاصلة على بكالوريوس في الفيزياء، وتعمل معلمة لمادة العلوم في احدى مدارس نابلس، فأرادت أن تكون موهبتها ذات رسالة تنفع بها وطنها، وتخلد ذكرى من دفعوا حياتهم ثمنًا لحرية وطنهم.
وبحسب الداري، فإن فكرة رسم وجوه الشهداء والأسرى، بدأت حينما رسمت الأسير زكريا الزبيدي أحد أبطال عملية نفق الحرية في سجن جلبوع في سبتمبر من عام 2021م، التي لاقت رواجًا على صفحاتها على منصتيْ فيس بوك، وانستغرام، وبعدها انهالت الطلبات عليها لرسم الأسير محمود العارضة العقل المدبر للهروب، وبقية الأسرى المشاركين معه.
تقول الداري لـ "فلسطين": "أما لوحات الشهداء فبدأتها برسم شهداء نابلس الثلاثة أدهم مبروكة، ومحمد الدخيل، وأشرف المبسلط الذين اغتالتهم قوات الاحتلال داخل سيارة كانوا يستقلونها، ومن ثم طالبها المتابعون برسم شهداء آخرين، حتى صارت ترسم كل شهيد يرتقي".
ليسوا مجرد خبر
وتؤكد أنها ترسم لوحات لشهداء تخليدًا لذكراهم، وللتأكيد أنهم ليسوا مجرد خبر، ورقم، وإنما هم أشخاص غير عاديين استشهدوا في سبيل دفاعهم عن فلسطين.
وتذكر الداري أنها رسمت أكثر من 15 لوحة بين أسير، وشهيد، وهناك قائمة أخرى على لائحة الانتظار سترسمها خلال الأيام القادمة للأسير الشهيد ناصر أبو حميد، وللأسير أحمد مناصرة، والشهيديْن الشقيقيْن ظافر، وجواد الريماوي.
ولدى سؤالها عن سبب توجهها نحو نشر فيديوهات توضيحية للمراحل التي مرت بها اللوحة، تجيب:" الناس دائماً لديها فضول لمعرفة الخطوات التي مر بها الرسام لكي يصل في النهاية إلى لوحة دقيقة مشابهة للصورة الأصلية".
وتضيف الداري: "وجدت في تلك الفيديوهات رواجًا أكبر للوحة عما إذا نشرت صورة للوحة فقط بعد اكتمالها، فالإنسان دائما يستمتع بمشاهدة الفنان وإبداعه وقوة مهارته".
وتمضي بالقول:" فعبر تلك الفيديوهات تخطيتُ حدود فلسطين حيث تواصل معي أشخاص من الجزائر، ومصر يثنون على لوحاتي وتفاجأتُ بمعرفتهم الدقيقة للشهداء، والأسرى الذين أرسمهم".
ورغم أن الفيديوهات التي تنشرها الداري لا تتجاوز الدقيقة الواحدة، فإنها تستغرق في الحقيقة 8 ساعات عمل غير متواصلة لكي تنتهي من رسم اللوحة، وساعتيْن من المونتاج للفيديو ليظهر للمتابعين في صورته النهائية، وفق قولها.
وبعد الانتشار الكبير لمقاطع الفيديو للوحات الداري، قامت إدارتا فيس بوك وانستغرام بحذف العديد من تلك المقاطع، بزعم أنها مخالفة لمعايير النشر، وسياسات المجتمع، في إطار سياستها المتبعة لمحاربة المحتوى الفلسطيني.
وتوضح الداري أنها اضطرت لنشر الفيديوهات بعد مرور مدة زمنية على خبر استشهاد أي شهيد وليس في ذات اليوم، ولجأت لاختيار مقاطع لأناشيد لا تحتوي على كلمات محظورة "بالنسبة لفيسبوك وانستغرام" كشهيد، وأسير، ومقاومة وغيرها، حتى تتفادى حذفها.
وتبين أن فقدان الشهيد لا شيء يعوضه في هذه الحياة بالنسبة لذويه، ولكن تخليد ذكراه بلوحة يدخل السعادة، والبهجة على قلوبهم، ويشعرهم بأنه لا يزال حيًا في قلوب الناس.
وتلفت الداري إلى أن اللوحات التي رسمتها وصلت لذوي الشهداء، والأسرى، وقاموا هم بإعادة نشرها على صفحاتهم على منصات التواصل، معتبرة أنها استطاعت جبر خواطرهم.
وتختم حديثها برسالة لكل من لديه موهبة: "يجب أن يكون عندك رسالة من وراء موهبتك لتقدم ما يخدم وطنك ويرفع شأنه".