يحتفل الاحتلال بما يسمى ذكرى الاستقلال الـ 75، لكن هذا العام ليس كسابقه، بل إنه العام الأكثر انقسامًا وتشرذمًا في تاريخ الكيان الذي أقيم على جثث الفلسطينيين لأسباب كثيرة، لكن في مقدمتها، هو تشبث الفلسطينيين بأرضهم، وعدم استسلامهم، على الرغم مما ارتكبت ضدهم من مذابح ومجازر، وهم اليوم في أفضل حالاتهم، من حيث تطور المقاومة، والتمسك بهويتهم، في مواجهة كيان معزول وضعيف، وسط بيئة معادية، وفشل كافة محاولات دمجه في المنطقة، عبر مشاريع واتفاقيات ومعاهدات، أبرمتها بعض الأنظمة، بينما الشعوب تكره ذلك الكيان الدموي العنصري.
الكيان في أضعف حالاته على الصعيد الداخلي، وحالة الانقسام التي يعيشها، بتولي قيادة تحكمها المصالح الشخصية، وغياب القادة التاريخيين للكيان، وأحزاب يقودها فاسدون ومرتشون، حيث يشهد المظاهرات الأضخم في تاريخه، بين المؤيدين والمعارضين للحكومة الحالية، وما يعرف بالتعديلات القانونية التي تمثل مصالح الأشخاص، وتنسف ما كان يتغنى به الاحتلال من ديمقراطية مزعومة على مدار عشرات السنوات.
فقدان الأمن الشخصي للمستوطنين، ورغبتهم في مغادرة الكيان، وهو ما كشف عنه استطلاع حديث أن 47% من المستوطنين الذين سافروا للعيش في الخارج لا ينوون العودة إلى الكيان للأبد، في حين توجه دعوات مستمرة للمستوطنين للتزود بالسلاح الشخصي، بعد فقدانه في قلب مدن الاحتلال، بسبب عمليات المقاومة التي ينفذها مقاومون ضد المستوطنين، وفشل منظومة الأمن لدى الاحتلال في حمياتهم، وسط تآكل الجبهة الداخلية التي أعلنت قبل أسابيع أنها لا تحتمل العمل خلال أي مواجهة قادمة، وخاصة في حال اندلاع مواجهة على عدة جبهات.
كيان الاحتلال يعاني من أزمة على الصعيد الدولي، بل أن جزءًا مهمًا من الأمريكيين بدأوا يفكرون في جدوى دعم الاحتلال، وأظهر ذلك استطلاع رأي قبل أيام أن 40% من الديمقراطيين يجدون أن إسرائيل تنتهج نمطًا يشبه نظام الفصل العنصري، في حين أظهر أن 49% من الديمقراطيين الذين شملهم الاستطلاع يتعاطفون مع الفلسطينيين، يضاف لذلك حالة العزلة غير المسبوقة في الكثير من الدول، وأهمها دول أمريكا الجنوبية، كذلك دول شرق آسيا.
نحن أمام كيان منبوذ معزول، لا يستطيع أن يحمي نفسه، بينما هناك تقدم مهم على صعيد العمل المقاوم الفلسطيني بكافة الأساليب، وانطلاقا من أرضه المحتلة، ومتمسك بهوية الوطنية، وسيطرة مشروع المقاومة على الساحة الفلسطينية، الذي فضح وكشف زيف قوة الاحتلال، بل هشم صورته أمام العالم، وتحول الجيش الذي لا يقهر إلى جيش مقهور مشتت، يفتقد الدفاعية للقتال، وأن جيشهم الذي كان يمثل عماد المشروع الاستيطاني الصهيوني، لم يعد لديه القدرة على تحقيق أي انتصار، وانحسار قوته في جوانب محددة، بينما تتعاظم قوة المقاومة، وحاضنتها الشعبية، ومناصريها، والدعم الواسع من قبل أحرار العالم.
بدأ خريف الاحتلال واقعًا ملموسًا في ذكرى إنشائه الـ 75، وتسارعت مظاهر التفكك والانهيار لديه، وبالتفاصيل المذهلة يمكن اكتشاف حجم التحول الذي يعيشه، ويمر به كيان الاحتلال، ويقوده إلى السقوط الحتمي.