حضر الاقتصاد بقوة في الزيارة "التاريخية" التي قام بها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برفقة ثلاثين رجل أعمال إسرائيليا في الفترة من 11-15 سبتمبر/أيلول الجاري؛ إلى دول من أميركا اللاتينية، ولكن دون أن تخلو من رسائل سياسية.
الزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلي، وتزامنت مع وقفات احتجاجية تندد بزيارة من أسموه "مجرم الحرب"، وقد شملت بلدان الأرجنتين وكولومبيا والمكسيك، وتنوع برنامجها بين اللقاءات الرسمية مع مسؤولي تلك الدول والمشاركة في فعاليات للجاليات اليهودية بها.
صحيفة الإسبيكتاذور الكولومبية أكدت أن الزيارة تم الإعداد لها قبل أشهر، وأن الدول المختارة تتوافق في ثقلها الاقتصادي والسياسي والثقافي في القارة.
كما لعب التحول في سياسة الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري دورا في تحسين العلاقات مع إسرائيل، بعدما وقعت سابقته كريستينا كيرشنر مذكرة تفاهم مع إيران، بحسب الصحيفة.
أما كولومبيا فتعرف في الأوساط السياسية باسم "إسرائيل أميركا اللاتينية" نظرا لعلاقاتها التجارية والأمنية والسياسية والعسكرية المتبادلة مع تل أبيب.
وبالنسبة للمكسيك، فقد تحسنت علاقاتها مع (إسرائيل) خلال السنوات الأخيرة حيث تحتل استثمارات الأخيرة في الدرجة الثانية بعد الولايات المتحدة، بينما تعد (إسرائيل) من بلدان الشرق الأوسط القليلة التي تستثمر في المكسيك.
ضد الزيارة
سارعت الجاليات الفلسطينية والمؤيدون للحق الفلسطيني من أوساط الأرجنتينيين والكولومبيين والحركة العالمية لمقاطعة (إسرائيل) "بي.دي.أس" إلى تنظيم مظاهرات ضد زيارة "مجرم الحرب" كما وصفوه في اللافتات التي رفعوها أثناء وقفاتهم الاحتجاجية في كل من العاصمة الأرجنتينية والكولومبية.
الحقوقي الكولومبي المختص بشؤون الشرق الأوسط فيليبي مدينة غوتيري كان من رافضي الزيارة والمشاركين في الوقفة الاحتجاجية ضدها، وقال بهذا الخصوص في تصريح للجزيرة نت إن هدف زيارة نتنياهو لكولومبيا هو تعزيز اتفاق التجارة الحرة بين البلدين، ومواصلة الاستثمارات في قطاعي التكنولوجيا والأسلحة، رغم أن الحرب الأهلية في كولومبيا بين الحكومة ومتمردي الفارك قد أشرفت على نهايتها.
ولفت غوتيري إلى أن كولومبيا لم تعترف بدولة فلسطين، وتقف دوما إلى جانب الولايات المتحدة، مضيفا أن اللوبي الصهيوني له تأثير قوي على الخارجية الكولومبية في قضايا كثيرة حتى غير المتعلقة منها بالقضية الفلسطينية، كتدخله في علاقات كولومبيا بإيران.
وعن ردود الأفعال يقول إن خبر الزيارة شكل صدمة لدى الناس، ولم تعلم الصحافة به إلا قبل أسبوعين.
وعقب لقاء نتنياهو بالرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، علق مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على الزيارة بالقول إن "هذه أسواق عملاقة، و(إسرائيل) تعتزم تعميق تعاونها الاقتصادي مع تلك الدول".
وأشار المكتب في بيانه إلى أن الجانبين "وقعا خلال اللقاء على مذكرة تفاهمات في مجال العلوم تسعى لتعزيز البحث العلمي المشترك للبلدين، وعلى اتفاقية في مجال السياحة تسعى لتوسيع حجم السياحة بين البلدين والتعاون بينهما في هذا المجال".
ومن الأرجنتين شارك الصحفي الأرجنتيني من أصول لبنانية غالب موسى في مظاهرات حاشدة أمام السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس.
ورأى موسى أن هدف الزيارة عقد صفقات تجارية، و"تبادل خبرات في الإستراتيجيات القمعية" التي تود الحكومة الأرجنتينية الحالية اتباعها.
وبرأيه فإن الإعلام لم يهاجم الزيارة كما هوجمت فعليا من قبل الجمعيات العربية والأحزاب السياسية وفئة كبيرة من الشعب، حتى إنها انتُقدت ورُفضت من قبل الحقوقي الأرجنتيني الحائز على نوبل للسلام عام 1980 أدولفو بيريس إسكيفيل.
وبالنسبة لموسى، كان التفكير في مثل هذه الزيارة قبل سنوات قليلة أمرا مستحيلا في ظل حكومة كريستينا كيرشنر، بيد أن قوة الجالية اليهودية في الأرجنتين ونفوذها في ملكية البنوك والعقارات والوظائف الحكومية والبرلمانية المؤثرة ساهمت في دعم مبطن للزيارة.
ووقع نتنياهو والرئيس الأرجنتيني ماكري سلسلة اتفاقات في مجالات الضمان الاجتماعي والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات وتبييض الأموال والجريمة الإلكترونية.
كما وقعت الأرجنتين -التي تعيش فيها أكبر جالية يهودية في أميركا اللاتينية- اتفاقا تجاريا مع (إسرائيل) يتيح لشركة الطيران الإسرائيلية "العال" إقامة خط جوي بين بوينس آيرس وتل أبيب.
أما في المكسيك، فلم يستغرب الصحفي المختص بشؤون أميركا اللاتينية نبيل خليل أن الزيارة مرت بسلام دون مظاهرات أو احتجاجات تُذكر، ليس بسبب قلة الجالية الفلسطينية فقط، وإنما لارتباط الحكومة المكسيكية ارتباطا وثيقا بالحكومة الأميركية واقتصادها.
وأضاف أن الأمر ذاته ينطبق على معظم أصحاب رؤوس الأموال من العرب في المكسيك الذين يتجنبون أي صدامات مع الحكومة.
ويرى نبيل أن نتنياهو يستخدم الجالية اليهودية كورقة ضغط في كل القارة نظرا لثقلها الاقتصادي، علما بأن جانبا كبيرا من وعوده فارغة، وهو ما حدث في فنزويلا حيث حاول الرئيس نيكولاس مادورو التقرب من الجالية وممثلي جمعيات إسرائيلية في البلاد بهدف تحسين الاقتصاد، وحصل على وعود وردية لم ينفذ منها شيء.
يشار إلى أن نتنياهو استغل زيارته للمنطقة في دعوة القوى الكبرى إلى إلغاء أو إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران الذي وصفه بالاتفاق السيئ.