يعد ميدان "باب الساحة" واحدًا من أشهر وأقدم الميادين في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، وفلسطين عامة، وما يزال الموقع يعد قلب نابلس النابض.
وتعود الساحة إلى زمن الناصر صلاح الدين الأيوبي، وزادت أهميتها في العصر العثماني، وما تزال مقصدًا لأنشطة سياسية واجتماعية.
والساحة تتوسط متاجر ومحال ومسجد، ومبنى السرايا العثماني، وأقيم في قلبها برج الساحة في زمن السلطان عبد الحميد الثاني.
يقول أحمد حرز الله (65 عامًا)، صاحب متجر لبيع الخضار في باب الساحة، إن "للمكان أهمية عبر الزمان، فكان القلب النابض لنابلس القديمة"، مشيرًا إلى أنه ورث المتجر من والده، وعاش وكبر في البلدة القديمة.
ويضيف: "في سبعينيات القرن الماضي من ملك متجرًا في باب الساحة يعني أنه من كبار التجار لما للموقع من أهمية اقتصادية واجتماعية"، مشيرًا إلى أنه لا يتخيل العيش في مكان غيره، "فباب الساحة يمثل لي كل شيء".
وفي الساحة متاجر لبيع الملابس، والأثاث، ومطاعم شعبية، ومحال لبيع الخضار والأدوات المنزلية، وغيرها.
وبالرغم من التطور العمراني في المدينة وامتدادها خارج البلدة القديمة إلا أن أهالي نابلس والقرى المجاورة يزورونها.
على مدخل متجر حرز الله، صور لعدد من الفلسطينيين الذين قتلوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة، منهم نجله محمد المقاتل في جماعة "عرين الأسود" المسلحة.
ويمضي حرز الله إلى القول: "عشت في باب الساحة كل حياتي، وشهدت على الاجتياحات والعمليات الإسرائيلية، وانتفاضة الحجارة والأقصى والعمليات الأخيرة".
برج الساعة العثماني
في الساحة التي يتوسطها برج ساعة شيّد في زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وأعيد ترميمها في 2012 بتمويل من وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، يجلس الزوار والسياح على مقاعد خصصت للاستراحة.
ويقول عنان الرامي (37 عامًا)، من مدينة رام الله، إنه يزور نابلس وبلدتها القديمة بين الحين والآخر.
وذكر للأناضول، أنه عادة ما يجلس في باب الساحة، لما لها من جمال خاص، "وهي كما يقال عنها دمشق الصغرى"، مبينًا أنه اعتاد على ذلك منذ أن كان طالبًا في جامعة النجاح.
ويقول السكان وأصحاب المتاجر في البلدة القديمة إنهم يعيشون أوضاعًا صعبة من جراء غلاء الأسعار، والعمليات الإسرائيلية في نابلس القديمة.
وعلى مقربة من الساحة، وفي إحدى الزقاق القريبة تفوح رائحة الكنافة النابلسية، حيث يقع أحد أشهر محال الحلويات الذي يطلق عليه اسم "كنافة الأقصى"، الذي يعج بالزبائن مع ساعات الظهيرة.
أنشطة سياسية واجتماعية
ويعد ميدان باب الساحة، بحسب الكاتب والباحث نصير عرفات، مؤلف كتاب "نابلس مدينة الحضارات"، مقصدًا للأنشطة السياسية والاجتماعية.
ويقول عرفات: "باب الساحة الميدان الرئيس في نابلس القديمة، وأصبح مقصدًا لكل نشاط اجتماعي وسياسي، لوجود الساحة وموقعها والتفرعات الشوارع التي تلتقي هنا".
ويشير إلى أن باب الساحة كان نقطة انطلاق المسيرات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي في انتفاضة الحجارة (عام 1987)، التي كانت نابلس دومًا مشتعلة.
وتقام في الساحة حتى اليوم عدة أنشطة، كتأبين الشهداء والاحتفالات الدينية كالمولد النبوي وفعاليات رمضانية.
تاريخ الساحة
وعن تاريخ الساحة يقول عرفات، إن لها ثلاثة أسماء ولكن منها دلالتها، وأولها (ساحة الحضرة) وذلك تخليدًا لحضور القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي وتحرير نابلس من الصليبيين، عبر التسلل إلى داخل المدينة من نفق مياه روماني.
وأضاف أن "الاسم الثاني للساحة (ساحة المنارة)، نسبة إلى برج المنارة أو برج الساعة الذي يتوسط الساحة الذي شيد قبل 120 عامًا بمناسبة اليوبيل الفضي لحكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني".
وأشار إلى أن "السلطان أهدى نابلس ساعة ألمانية الصنع ما تزال تعلو البرج".
وللموقع أهمية سياسية في العهد العثماني، حيث أقيم مبنى السرايا العثماني المطل على الساحة، الذي ضم مكاتب إدارية ورئاسة البلدية والمحافظة والمحاسبة، وفي الطابق الأرضي سجن واسطبلات للخيل.
وتحول المبنى اليوم إلى متاجر لأقمشة، فيما تسكن عائلات فلسطينية في الطابق العلوي.
في الجهة الغربية من باب الساحة، يقع مسجد النصر، والمشيد بالطراز المعماري العثماني، الذي يعد واحدًا من أهم وأكبر مساجد نابلس، ويمتاز بقبة خضراء اللون، تظهر جلية وسط المباني القديمة.
وشيد المسجد، وفق عرفات، على مدار 4 سنوات بعد أن تعرض للهدم في عام 1927، من جراء زلزال ضرب مدينة نابلس، لافتًا إلى أن الموقع كان كنيسة وعقب الفتح الإسلامي تحول إلى مسجد.