"لا يفلّ الحديد إلّا الحديد"، من الأمثال العربية المشهورة المتداولة بكثرة على الألسنة، والمقصود به أنّه لا شيء بإمكانه أن يؤثّر ويكسر الحديد إلا الحديد، ويقال أيضًا في المثل الشامي الشائع "ما بجيب الرطل إلا الرطل ونص".
ولهذا المثل قصة حدثت في زمن حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد، يرويها الباحث في التراث الشعبي د. إدريس جرادات.
فقد حدثنا الراوي يا سادة يا كرام، أنه في أثناء حكم الخليفة الرشيد للدولة الإسلامية، خرج الوليد بن طريف التغلبي، وفتك بإبراهيم بن خازم والي هارون الرشيد بالجزيرة، ولما اشتد ساعده وقويت شوكته، دخل أرمينيا وحاصرهم عشرين يومًا، وكي يخلصوا أنفسهم من الأسر، افتدوا أرواحهم بثلاثين ألفًا.
وبعدها اتجه الوليد إلى أذربيجان وحلوان وأرض السواد، ففعل أهل تلك البلاد مثلما فعل أهل أرمينيا فقد افتدوا أنفسهم بمائة ألف، وهكذا استمر الوليد في عمليات التخريب والقتل، حتى ضاق به الخليفة ذرعًا، وبحث عمن يساويه في القوة والشجاعة، فلم يجد أفضل من ابن عمه الفارس المغوار، والمقاتل الشجاع يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني البكري الوائلي "الملقب بالعنزي".
ولما علم أمر قدوم ابن عمه يزيد لملاقاته قال: ستعلم يا يزيد إذا التقينا بشط الزاب أي فتى أكون. (شط الزاب هو أحد روافد نهر دجلة).
ولأن يزيد كان شديد الذكاء ظل يخاتله ويماكره، فقال بعض المحرضين للخليفة: إن يزيد يتجافى عن منازلة الوليد بسبب صلة الرحم التي بينهما فكلاهما من بيت وائل، فلما سمع هارون الرشيد ذلك غضب بشدة، وأمر يزيد بمناجزة الوليد بعد أن أغلظ له في القول.
وبالفعل هجم يزيد على الوليد والتقى الجيشان وثبت يزيد ومن معه وثبت الخوارج الذين كانوا مع الوليد أيضًا، غير أن رجال يزيد استطاعوا أن يرهقوا الخوارج فولوا هاربين، وهنا تبعهم يزيد ولحق بالوليد ابن عمه، وقطع رأسه من على رقبته حتى يستريح المؤمنون من أفعاله، وقد كان هذا اليوم يومًا مشهودًا ليزيد حيث كثرت فيه قصائد المدح فيه، وقال بعض الشعراء عنه يومها:
يا بَني تَغلِبَ لَقَد فَجَعَتكُم ** من يَزيد سُيوفه بِالوَليدِ
لَو سُيوف سِوى سُيوفِ يَزيد ** قارَعَتهُ لاقَت خِلافَ السُعودِ
وائِل بَعضُها يقتلُ بَعضا ** لا يَفِلُّ الحَديدَ غَيرُ الحَديدِ
وهي أبيات شعرية تعبر عن قوة يزيد وأنه من دم الوليد ويضاهيه بسالة وشجاعة، ولهذا استطاع قهره والتخلص منه بسهولة.