"هذا هو حوارنا مع الصهاينة"، كلمات صدحت من حنجرة القائد عبد العزيز الرنتيسي وهو يحمل بيده "بندقية الكلاشنكوف" في أول خطاب له بعد توليه قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس خلفًا للشهيد المؤسس الشيخ أحمد ياسين.
لم تكن تلك الإشارة "عفوية" إذ جاءت لتؤكد نهج حركة حماس القائم على المقاومة وتطويرها وصولًا لتحرير فلسطين، وهذا ما صرّح به أيضًا في خطاب آخر بقوله: "سننتصر يا بوش، سننتصر يا شارون".
وارتقى الشهيد "الرنتيسي" في السابع عشر من إبريل/ نيسان عام 2004 واثنين من مرافقيه، إثر قصف سيارته من طائرات "الأباتشي" الحربية في شارع الجلاء وسط مدينة غزة، فكان له ما تمنى حينما قال في مقابلة مع إحدى القنوات الأجنبية: "الموت آتٍ سواءً بالسكتة القلبية أو بالأباتشي وأنا أفضل الأباتشي".
ومن أبرز الأقوال الثورية التي صدح بها الشهيد "الرنتيسي": "إن عدونا لا يفهم إلا لغة واحدة، هي لغة الحراب"، "أرض فلسطين جزء من الإيمان، وقد أعلنها الخليفة عمر بن الخطاب أرضًا للمسلمين قاطبة، ولهذا، لا يحق لفرد أو جماعة بيعها أو إهداؤها".
وبالرغم من مرور 19 عامًا على ارتقاء "أسد فلسطين" شهيدًا، إلا أن كلماته الثورية لا تزال محفورة في أذهان حركة حماس وجناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام، التي أخذت على عاتقها تطوير صواريخها وقدراتها القتالية.
الرنتيسي في سطور
ولد الشهيد الدكتور عبد العزيز علي عبد المجيد الرنتيسي بتاريخ 23 أكتوبر عام 1947 في قرية يبنا قضاء الرملة، واستطاع إنهاء دراسته الثانوية عام 1965 وكان من المتفوقين فيها، وهو ما أهله للحصول على منحة دراسية في مصر فذهب إلى جامعة الإسكندرية لدراسة الطب، فحصل منها على بكالوريوس طب عام في سنة 1971 ثم على ماجستير في طب الأطفال.
عمل طبيبًا في مستشفى ناصر بخان يونس عام 1976، كما شغل عدة مواقع في العمل العام منها عضوية هيئة إدارية في المجمع الإسلامي، والجمعية الطبية العربية بقطاع غزة، والهلال الأحمر الفلسطيني، وعمل في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضرًا يدرس المساقات في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات.
اقرأ أيضاً: في ذكرى استشهاده.. هنية يُهاتف عائلة الشهيد القائد عبد العزيز الرنتيسي
جمع بين الشخصية العسكرية والسياسية والدينية، وحظي باحترام ومحبة أغلب شرائح الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي، كما وُصف ممن عايشوه بصاحب الشخصية القوية والعنيدة، إضافة إلى جرأته وتحديه لقادة الكيان ولجلاديه في سجون الاحتلال.
رحلة الإبعاد
وتعرض "الرنتيسي" إلى سلسلة من الاعتقالات التي وصلت آخرها إلى إبعاده برفقة أكثر من 415 شخص من كوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان في السابع عشر من ديسمبر عام 1992.
يقول النائب في المجلس التشريعي فتحي قرعاوي الذي رافق "الرنتيسي" في "مرج الزهور": "كان رجلًا فاضلًا وحكيمًا يقضي كل أوقاته في استقبال الناس وإمدادهم بأي استشارات يريدونها".
وأضاف قرعاوي لصحيفة "فلسطين": "كان الدكتور عبد العزيز يقضي كل وقته بجلوسه مع القادمين إلى خيمته من مختلف المناطق، وكان يغرس حب المقاومة في قلوب الجميع".
وبحسب قرعاوي فإن الرنتيسي يمثل رمزية قوية مقاومة ومتميزة على مستوى حركات المقاومة، واصفًا إياه بأنه "جامع لكل المقاومين والخيرين في الوطن العربي والإسلامي".
وعد أن الحركة الإسلامية خسرت رجلًا من خيرة رجال الأمة العربية "شخصيته لن تتكرر حتى الآن".
وعن محاولات الاغتيالات فقد كانت أولها في مرج الزهور في خيمة الإعلام في اليوم الأول من شهر رمضان، إذ حضر شخص يتحدث العربية ادعى أنه مترجم لصحفي ياباني، وترك حقيبة إنفجرت فيما بعد داخل الخيمة، لكن لم يكن أحد داخلها.
وفي 16 يونيو 2003 تعرض لمحاولة اغتيال ثانية استشهد فيها اثنان من مرافقيه، وأصيب نجله أحمد بجروح خطيرة، وفي شهر أيلول 2003 تعرض لمحاولة اغتيال ثالثة فشلت هي الأخرى، ثم تعرض لمحاولة اغتيال رابعة في اليوم الثالث لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين، نجا منها أيضًا ولم تكشف عنها حماس إلا بعد تأكيدها من أجهزة أمن الاحتلال.
وتخليدًا لاسمه صنعت كتائب القسام صاروخًا أطلقت عليه اسم "160 R"، إذ يرمز حرف "الراء" إلى الرنتيسي، والرقم (160) إلى مدى وصوله في عمق البلدات المحتلة، وقد استخدم أول مرة في الرد على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014.