قائمة الموقع

"من خيرك بتطعم غيرك".. تكية متنقلة بين أزقة المخيمات الوسطى

2023-04-16T10:56:00+03:00
تكية متنقلة بين أزقة المخيمات الوسطى

متنقلاً بين حارة وأخرى، وزقاق وآخر، يقضي الشاب أمجد المجدلاوي من مخيم النصيرات ساعات العصر وحتى أذان المغرب، يحمل قدورًا كبيرة ويطهو أطباقاً لوجبة الإفطار الرمضاني.

ينشط المجدلاوي في العمل الخيري منذ عدة سنوات، وقد عمل ضمن عدة مبادرات خيرية سابقة، ولكنه منذ رمضان الماضي يُنفذ مبادرة أراد أنْ تكون مختلفة عن سابقاتها، فأنشأ تكية متنقلة تقوم على التنقل بين الحواري والأزقة في المخيمات يطهو الطعام فيها ويوزعه على المحتاجين.

ولاقت فكرة المجدلاوي التي بدأها بمفرده استحساناً من الناس العام الماضي، بعد أنْ عرضها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقرر الاستمرار فيها هذا العام، فبدأ من حارته التي يسكنها ثم انتقل إلى حارات أخرى، تواصل معه أهلها طالبين منه المجيء إليها.

وبمضي الأيام تنقل المجدلاوي إلى مخيمات أخرى كالمغازي والبريج، رافعاً شعار تكيته "من خيرك بتطعم غيرك" إذْ يجمع المال من المقتدرين والمتصدقين، ويشتري اللحوم والخضراوات ويقوم شباب متطوعون وزوجته وزوجات أشقائه بتحضيرها وتجهيزها للطبخ.

وعند وصوله إلى الحارة التي اختارها مسبقاً متنقلاً عبر "التوكتوك" الخاص به، يبدأ المجدلاوي بطهي الأطباق الشعبية كالبطاطا والكفتة أو الفاصولياء والأرز في قدور كبيرة في الشارع أمام الأطفال الذين يلتفون حوله يدفعهم فضولهم لرؤية ما يفعله، "غالباً ما أجلب معي مهرجاً يلعب مع الأطفال ويرسم على وجوههم فنرسم البسمة على شفاههم".

مفتوحة للجميع

ويضيف: "أما إذا لم يكن معي المهرج فإنني أشغل أناشيد المديح النبوي لتدخل السرور على قلوب الأطفال"، مشيراً إلى أنه يقوم بالطهي بمفرده، إذ إنه ورث حب الطهي عن والده الذي كان يعمل في "الُطعمة" (طهي الطعام للفقراء) في إحدى عيادات "الأونروا"".

ويبين المجدلاوي إلى أنه يطهو كميات تكفي لقرابة (80-130) أسرة يوميًّا، "بمجرد أنْ أفرغ من الطهي أطلب من الأطفال أن يذهبوا إلى بيوتهم ويأتوا بطناجرهم وأسكب لهم، والأمر مفتوح للجميع حتى لو لم يكونوا من الأسر المتعففة، أي شخص يحب الطبخة التي أطهوها يمكنه أنْ يأكل منها".

فالتكية في أصل نشأتها، وفق المجدلاوي، مفتوحة للجميع، لذلك لا يعتمد قوائم مسبقة للأسر المتعففة، بل يجعل الأمر مفتوحاً لكل أهل الحارة التي يطهو فيها، "أختار أنا الحارة التي أريد أن أذهب إليها أحياناً وأحياناً أخرى يطلب مني أهلها أو لجان الحي المجيء إلى مكان معين".

ويتلقى الشاب اتصالات عديدة من شباب يريدون العمل معه في التكية لكسب الأجر ومساعدته، "حتى الآن قرابة الثلاثين شابًّا تواصلوا للعمل معي، لكنّ عمل التكية حتى الآن لا يتطلب هذا العدد الكبير، فاستعنتُ ببعضهم فقط".

ومن بين هؤلاء، الشاب فريد العيسوي الذي تواصل مع المجدلاوي قبيل رمضان بعدما أعجب بالعمل الذي أنجزه في الموسم الماضي.

يقول: "أنا رفيقه حيث أساعده في كل ما يفعله، منذ لحظة شراء مستلزمات الطعام وحتى توزيع وجبة الإفطار"، داعياً الشباب إلى أنْ يكون لهم نصيب في المبادرات التطوعية، بحيث يكسبون الأجر ويسهمون في تعزيز الترابط المجتمعي.

ولكون المجدلاوي يتنقل من مكان إلى آخر فإنه يطبخ عدة أصناف فقط، ولا يغير الصنف إلا في حال طبخ في مكان واحدٍ مرتيْن، مشيرًا إلى أنه لا يطلب من أهل المكان سوى المياه، أما بقية المستلزمات والمعدات فيجلبها معه.

وتفاجأ الشاب بحجم الإقبال الكبير على "تكيته" المتنقلة التي تعكس حجم الفقر الكبير في قطاع غزة، "حتى أن هناك شخصًا من جحر الديك، ورغم بعد المسافة إلا أنه يتصل بي يوميًّا ويسألني عن المكان الذي سأطهو فيه ويأتي ليأخذ وجبة لعائلته، وهناك الكثير يرسلون أبنائهم على دراجاتهم الهوائية للغرض ذاته".

وتضج صفحاته على وسائل التواصل بالسائلين عن وجهته اليومية علّه يكون لهم نصيبٌ مما يطهوه من وجبات، " لكنني لا أريد قصر المستفيدين على الفقراء، ففكرتي من التكية هي إعادة روح التكاتف لشعبنا، وإكرام الجار خاصة في شهر رمضان، شهر العبادات".

صعوبة الوضع الاقتصادي

ويلفت المجدلاوي إلى أن حجم الفقر ازداد كثيراً مع الوضع الاقتصادي الصعب، وتأخر شيكات الشؤون الاجتماعية، داعياً أبناء شعبنا جميعاً إلى أنْ يتفقدوا جيرانهم وأقاربهم، قائلًا: "لو كنا سنداً وعوناً لبعضنا البعض، وأحيينا التكافل وبحثنا عن الفقراء فيما بيننا، فتفقد كل مقتدر جاره الفقير لما كان وضعنا هكذا".

ويعرب عن أمله بأن تعود عاداتنا القديمة كـ"الفزعة" واشتراك الجيران مع بعضهم البعض في مائدة إفطار واحدة كما كان يحدث سابقاً في أزقة مخيمات اللاجئين، بما يسهم في سد حاجة الفقراء.

اخبار ذات صلة