فلسطين أون لاين

الحكواتي

لا حياة لمن تنادي

...
الحكواتي - لا حياة لمن تنادي
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

"لا حياة لمن تنادي"، شطر من بيت شعر نستخدمه كثيرًا في حياتنا اليومية، حينما نتبادل الحديث مع شخص دون أن يُعير الموضوع أي اهتمام أو لا يصدر عنه أي ردة فعل.

وتحول شطر البيت إلى مثل يضرب في كثير من المواضع، ووراءه قصة يرويها مدير مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي إدريس جرادات. 

ففي زمن من الأزمان كان هناك رجل غني يقال إنه الشاعر عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي، وكان لديه ابن كثير الدلال، توفيت عنه أمه وهو صغير.

عرف الرجل بكرمه ومجالسته للفقراء وعطفه عليهم، وقد بقي على هذا الحال سنوات حتى مرض وخشي أن يضيّع ابنه أمواله. فقدم له النصائح ولكن دون فائدة، فقد كان تأثير رفقاء السوء عليه أكبر من كلام والده.

عندما اقترب الأب من الموت، طلب أكثر الخدم إخلاصًا، وثقة، وأمرهم ببناء سقف جديد لمجلس القصر أسفل السقف القديم. وطلب منهم أن يصنعوا بين السقفين مخزنًا من أجل إخفاء كمية كبيرة من الذهب، تحميها بوابة حديدية بسلسلة إذا ما تم سحبها فتح الباب باتجاه الأرض.

طلب الأب ابنه للمرة الأخيرة، ونصحه ولكن دون جدوى، فأنشد يقول:

لقد أسمعت لو ناديت حيا ***ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نار نفخت بها أضاءت***ولكن أنت تنفخ في رماد

أكمل حديثه مخاطبا ابنه: يا بني إذا جاءتني المنية أعطني وعدا إذا خسرت كل شيء ألا تبيع القصر، حتى لو اضطررت لشنق نفسك بالسلسلة المعلقة في المجلس الكبير.

سخر من كلام والده، وبقي على حاله إلى أن نفد ماله. وبعدما ضاق به الحال قرر التخلص من حياته البائسة، فتذكر كلام والده قبل أن يتوفى، فذهب نحو السلسلة، وأخذ صندوقًا، ووقف عليه وربط السلسلة في عنقه، وما أن سحبها حتى فتحت البوابة وسقط الذهب على رأسه.

فرح كثيرًا بذلك وجاء بالرجل الفقير واتخذه رفيقا له يقاسمه المال والطعام، وأعاد لتجارة والده الحياة. ولما علم رفقاء السوء بوضعه وتبدل أحواله للأحسن، أرادوا وصل الود القديم، فأعدوا مأدبة ودعوه إليها. دخل ولكنه لم يأكل من الطعام، فكل ما فعله أن أمسك بكُمِ ثوبه وغمسه بكل صنف من أصناف الطعام، فاستغرب الرفاق عجيب صنعه، وسألوه ماذا يصنع؟ فقال لهم: أنتم ما دعوتموني، أنتم دعوتم أموالي وملابسي، وهذا ثوبي قد لبى دعواكم، أما أنا فلا، وانصرف عنهم، ومن ذلك الوقت أصبح بيت الشعر "لا حياة لمن تنادي" مقولة مشهورة تتردد على مسامع الناس.