فرض العدو الإسرائيلي "قيودًا إضافية" على مدينة القدس وشدد من إجراءاته في محيط المسجد الأقصى في محاولة يائسة لمنع وصول أعداد كبيرة من المصلين، وظنا منه أن هذه الاجراءات يمكن أن تحول دون احتشاد الآلاف في المسجد الأقصى، إلا أن المصلين تجاوزوا جميع هذه الحواجز والمعيقات وواصلوا الزحف نحو المسجد الأقصى، غير مكترثين بالاحتلال وإرهابه وقمعه وتضييقه المتواصل، مؤكدين بذلك حرصهم على حماية الهوية الإسلامية لمدينة القدس والمسجد الأقصى، ومعلنين التحدي في وجه جنود الاحتلال والمستوطنين.
وقد زحفت حشود ضخمة باتجاه المسجد الأقصى ونجحوا في أداء الصلاة فيه، ووصلت الأعداد لما يزيد على (الربع مليون) مصلٍّ في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وفق ما أعلنته دائرة الأوقاف الإسلامية. هذا العدد هو إنجاز كبير في ظل الوضع القائم في مدينة القدس والمسجد الأقصى، الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق أهداف مركزية يسعى لتحقيقها، ومن أبرزها: 1_ سعيه لطمس الهوية الإسلامية. 2_ القضاء على أي أثر للفلسطينيين في المدينة المقدسة. 3_ تهويد كل الأماكن لصالح اليهود وتحويل هذه المناطق لمعابد خالصة لهم لا يسمح للمسلمين بدخولها. 4_ ضم هذه المناطق لتكون ضمن كيانه دون أي مشاركة من الفلسطينيين ونزع أي حق لهم في الأماكن المقدسة. 5_ ترسيخ واقع أن القدس عاصمة خالصة لكيانهم الاحتلالي الإحلالي.
وبالتوازي مع ما يجري في القدس والأقصى من ملاحقة وتقييد واستهداف ممنهج من الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق أهدافه وغاياته الكبرى، فإنه يحاول عزل مدينة القدس والمسجد الأقصى عن محيطهما الجغرافي في الضفة وغزة والـ48، في محاولة لمنع أي ربط بين هذه الساحات، لكن المقاومة الفلسطينية وجهت له صفعة بددت أحلامه وكسرت "معادلته الفاشلة" فوق رأسه، حين فعلت (الربط الأوتوماتيكي) بين ساحات الوطن، وأكدت أن المساس بالقدس والأقصى يعني رد وتحرك المقاومة من كل ساحات الوطن لضرب أهداف العدو الإسرائيلي.
ويمكن الوقوف طويلا عند معركة (سيف القدس) عام 2021 التي خلقت معادلة غير مسبوقة في وجه العدو، حين قررت المقاومة خوض معركة كبيرة مع العدو الاسرائيلي نتيجة عدوانه على القدس والأقصى، وكان باكورة هذه المعركة رشقة صاروخية نوعية لمستوطنات القدس، التي جعلت العدو يجثو على ركبتيه من جراء الصدمة بعد أن كانت تقديراته "الاستخبارية والأمنية" تعطي قراءات بعيدة تماما عما جرى في هذه المعركة، ليس هذا فحسب، فقد شكلت معركة سيف القدس، (مصدر إلهام) لمختلف الجبهات في محيط الكيان، التي أصبحت اليوم ملتهبة ومستعدة للانخراط في أي مواجهة من أجل القدس والأقصى، وقد قرأ العدو هذا التحول بعد تعرضه لرشقات صاروخية من لبنان وسوريا نتيجة عدوانه على المعتكفين في المسجد الأقصى مؤخرا، الأمر الذي دفعه للتراجع قليلا، وتدارك الخطر المحدق، والانتباه للتحديات الأمنية الجديدة التي أطلقت صفارات الإنذار في وجه صانع القرار داخل الكيان.
وهذا ما يفسر إعلانه الاستنفار ورفع مستوى التأهب للدرجة القصوى في مختلف وحداته العسكرية، وتعزيز القبة الحديدية في معظم المناطق داخل الكيان، خصوصا بالتزامن مع (يوم القدس العالمي) وحديث المقاومة عن وحدة وتنسيق بين الجبهات، لاعتقاده أنه أصبح أمام تهديد كبير وغير مسبوق، لذلك فإن "المستوى السياسي، والمؤسسة الأمنية، والإعلام" وحتى الكتّاب والمحللين، والمراسلين، وغيرهم، داخل الكيان الآن في "حالة هستيرية" ويعيشون في ذعر وإرباك شديدين؛ نتيجة الخشية من هجوم محتمل يكون موحدا ومنسقا من جميع الجبهات وفق اعتقادهم، حتى أن أحد كتابهم قدم تحليلا وقراءة موسعة حول حرب قريبة ومحتملة على حد تعبيره وأطلق عليها اسم (حرب يوم القيامة) وهذا مؤشر على حجم الرعب الذي ينتاب الكيان بعد التطورات الأخيرة في مختلف الساحات والجبهات في محيط الكيان.