مع ساعات الظهيرة كل يوم يتوجه الحاج عبد القادر يحيى إلى أرضه في منطقة الطيبة لبلدة ترقوميا غرب الخليل إلى الجنوب من الضفة الغربية، ويغادرها قبيل آذان المغرب بنصف ساعة متجهًا إلى بيته في الجبل الأخضر.
معاناة يومية يتكبدها يحيى (60 عامًا) منذ هدم الاحتلال الإسرائيلي بيته قبل أربعة أشهر، الذي بناه في عام 1992 على أرضه بالطيبة، ومع ذلك لم يتركها يومًا ويحرص على المبيت حتى لا تترك سائلة للمستوطنين.
يمتلك يحيى مع إخوته قطعة أرض بمساحة 30 دونمًا مزروعة بالزيتون، والعنب، والتين، واللوزيات، وهي ذات موقع إستراتيجي إذ تطل على منطقة الساحل الفلسطيني، وهي مطمع للمستوطنين الذين يحاولون بجميع الطرق تهجير مالكيها للسيطرة عليها وضمها لمستوطنتي "أدورا" و"تيلم".
وتضم أراضي "الطيبة"، خلّة سلامة، وجبل الهردش، وخلّة المصري"، وتعود لعائلات عديدة، أبرزها الجعافرة، والفطافطة، وغريب، وذباينة، وتبلغ مساحة أراضيها ما يقارب 1500 دونم، تحوي شجر زيتون، وكروم عنب، إذ تمثل المنطقة سلَّة غذائية لأصحابها الذين أقاموا بيوتًا زراعية، وشبكات ري، وخزانات مياه، وكلها معرّضة يوميًا للتخريب من المستوطنين بحماية جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين يسعون لتفريغ الأراضي من أصحابها.
ولا يبعد بيت يحيى عن المستوطنة سوى 150 مترًا، وكان وما يزال يتعرض لاعتداءات شبه يومية من المستوطنين بالأيدي، وبالشتائم والسباب، وقطع الأشجار، وتخريب المحاصيل، دون أن ترهبه تلك الاعتداءات يومًا أو تبعده عن أرضه.
يقول لـ"فلسطين": "بعدما هدم الاحتلال بيتي الذي انتقلت للعيش فيه في عام 2017م، وبيت أخي المقام منذ خمسينيات القرن الماضي، "أقمنا بيتًا زراعيًا وعشنا فيها تحديًا للاحتلال، فقام بهدمه أيضًا، فأقمنا خيمة هدمت مجددًا وصادر الاحتلال ألواح الطاقة الشمسية أيضًا".
وحاليًا يناوب يحيى وشقيقه على حراسة الأرض يوميًا ويبيتا فيها، حتى لا يعطيا الفرصة للاحتلال للسيطرة عليها بزعم أنها "أرض مهملة".
ويلفت إلى أن الاحتلال لم يكتفِ بذلك بل سلمهم إخطارات هدم للبيوت الزراعية المقامة على الأرض منذ سنوات.
وقبل 10 سنوات، اضطر يحيى وأخيه لرفع قضية أمام المحاكم الاحتلال لإثبات ملكية الأرض بأوراق الطابو الأردنية، وما تزال القضية قيد التداول في المحكمة دون أن تتوقف الاعتداءات.
ويذكر موقفًا جمعه بمسئول تنظيم البناء في منطقة الطيبة الذي اعترف بأحقيته في أرضه "أعرف أنك ولدت، وعشت هنا، وكبرت أيضًا، ولكن عليك أن تغادرها، وألا تبني أبدًا".
ويقول يحيى إنه يذهب لأرضه في رمضان صباحًا ويعود إليها أحيانًا بعد الإفطار، وسيعود للمبيت فيها بعد انقضاء الشهر الفضيل، "فمهما كلفني الأمر، لن أتنازل لإرهاب المستوطنين".
ويناشد يحيى جميع مزارعي وسكان منطقة الطيبة بألا يهجروا أرضهم، ويعملوا على استصلاحها، مشددًا على أن المحافظة عليها لا يتأتى إلا بزراعتها.
سلة غذائية
بدوره يبين عضو لجنة الدفاع عن أراضي الطيبة سليمان جعافرة أن معظم ملّاك أراضي "الطيبة" يحملون أوراقًا ثبوتية لـ"الطابو" الفلسطيني أو الأردني، لكن الاحتلال لا يعترف بهم، ولا بالتسوية الفلسطينية.
ويشير إلى أن ملّاك الأراضي الذين يحملون أوراق "الطابو" التركي أو البريطاني هم أقوى من "الطابو" الفلسطيني، لكن أوراقهم الثبوتية لا تضم خرائط، إذ كانوا يعتمدون حينها على العلامات الطبيعية، وهذا ما يسهل على الاحتلال محاولة السيطرة على أراضي "الطيبة".
ويوضح جعافرة لـ"فلسطين" أنه منذ اللحظة الأولى لمصادرة أراضي الطيبة عام 1982 كانت المنطقة مطمعًا للمستوطنين، لأنها الشريان الرئيس للبلدة، فهي السلة الغذائية لها، وفي حال سيطروا عليها ستمثل حاجزًا بين البلدة ومدينة الخليل وعبئًا اقتصاديًا أيضًا.
ويلفت إلى أن مزارعي المنطقة يتعرضون لاعتداءات شبه يومية، من تخريب للأراضي، والمزروعات، وإطلاق الكلاب عليهم، وقطع الطرق من أجل منع وصولهم لأراضيهم، تحت حماية قوات الجيش الإسرائيلي.
وينبه أن المستوطنين قاموا مؤخرًا بشق طرق يدويًا، تمهيدًا للسيطرة على أراضي الطيبة، ناهيك عن الزيارات المتكررة لمسئولي المؤسسات المسؤولة عن السيطرة على الأراضي.
وتواجه أراضي الطيبة، وفق جعافرة، أخطر قانونين لمصادرة الأراضي، أحدهم عمل به في عام 82 بزعم أنها أراضٍ غير مستخدمة لمدة عشر سنوات، وحولت لأراضٍ حكومية، والقانون العثماني القديم الذي يسمح بمصادرة الأراضي المهملة لأكثر من عشر سنوات، بالرغم من أن الاحتلال لا يعترف بالقوانين التركية، ولكنه ينتقي منها ما يتماشى مع مصلحته.