فلسطين أون لاين

فرن "منى" في نابلس القديمة يعيد للذواقين عراقة الماضي

...
فرن "منى" في نابلس القديمة يعيد للذواقين عراقة الماضي 
نابلس-غزة/ مريم الشوبكي:

مع دخول وقت العصر طيلة أيام شهر رمضان ينشغل هلال منى، في حارة التوباني بالبلدة القديمة في نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، برص الفخاريات وصواني مختلفة الأشكال والألوان داخل فرنه الشهير.

يعد فرن "منى" أحد معالم البلدة القديمة وواحدًا من أقدم الأفران العربية، يتجاوز عمره مئتي عام ولا يزال وجهة المواطنين، واحد من بين قلة حافظوا على الطابع القديم في البناء وطريقة العمل.

في رمضان تستعيد بيوت نار الأفران العربية مكانتها، خاصة وأنها المفضلة للمواطنين لتحضير الطعام المُطعم بنكهة الحطب التي تضفي مذاقًا شهيًا، ولذيذًا.

ويفد الناس إلى الفرن من مختلف المناطق، حاملين معهم الأطباق التي ينون الإفطار عليها لإنضاجها على نار الفرن.

هلال (65 عامًا) وإخوته يمثلون الجيل الثالث في مهنة "الفرانة"، فقد ورثوها عن أبيهم الذي ورثها عن جدهم.

يقول هلال: "كان جدي يملك فرنًا في موقع آخر من البلدة القديمة، وبعدما توفى جدي، ترك أبي المهنة وعمل في أعمال النقل على عربة خشبية. لكن أحدهم نصحه بالعودة إلى مهنته، فانتقل أبي في عام 1965 إلى هذا الفرن الذي كانت تملكه عائلة نابلسية".

نظام عمل مختلف

وطيلة أشهر السنة يبدأ هلال وإخوته وأبناؤهم العمل في الفرن فجرًا حتى العصر، حيث يعدون الفطائر بمذاقات مختلفة كالكفتة والبيض، والجبنة، والزعتر، وزيت الزيتون، وبالإضافة إلى الخبز العربي.

وعلى جدار الفرن المتصدعة ثبت هلال مجموعة صور، تعود لجده والده، وأخرى تجمعه وإخوته ووالدهم وهم يعملون داخل الفرن.

ويشير إلى أن نظام العمل في رمضان ينقلب حيث يبدأ تدفق الزبائن عصرًا، ويستمر حتى مغيب الشمس قبيل آذان المغرب بدقائق، فيما يتراجع إنتاج الخبز والفطائر ويرتكز عمل على شيء واحد وهو طواجن اللحم وصواني المناديل والكفتة بأنواعها والأسماك، والقِدر التي يزداد الطلب عليها بشكل ملحوظ.

يوضح أن أكلة المناديل هي عبارة عن لحمة مفرومة مضاف إليها توابل، وخضروات من بصل، وبقدونس، يتم تكوريها على شكل كرات لتلف بالمكون الرئيس "المنديل" وهو عبار عن غشاء دهني يغلف معدة الذبيحة.

وتتسم غالبية الأفران العربية القديمة بطابع معماري خاص، يضمن بقائها باردة رغم الحرارة المرتفعة التي يتطلبها العمل.

ويلفت هلال إلى أن في الأسبوع الأخير من رمضان يبدأ الزبائن باستبدال صواني الكفتة، والدجاج، بصواني كعك العيد، والمعمول لخبزها على نار الحطب التي يحنون إلى مذاقها القديم.

مذاق مميز

وعن تشبث أهالي نابلس وبلدتها القديمة، بإنضاج طعامهم المفضل في الأفران العربية القديمة حتى يومنا هذا رغم انتشار الأفران الكهربائية، والغاز التي توفر الوقت والجهد، يجيب هلال: "الأفران العربية تذكر الناس بالتراث الشعبي، وأيام الأجداد الجميلة التي كانت حافلة بالسعادة، والبساطة، والمودة التي تربط بين الناس". 

ويردف: "كما أن نضوج الطعام على الحطب، يُكسب الطعام مذاقًا مميزًا لا يتوفر في الأفران التي تعمل بالغاز أو الكهرباء".

ولا يخفي هلال المشقة التي يتكبدها نتيجة العمل في رمضان، خاصة عندما يتزامن رمضان مع فصل الصيف، فحرارة الجو ولهيب الفرن يصيبانه بالجفاف والإرهاق.

ورغم أن أعداد الأفران تقل في البلدة القديمة، والاهتمام في هذه المهنة يتراجع، إلا أن هلال وإخوته يتمسكون بالمهنة التي ورثوها للجيل الرابع من عائلتهم، "فهذا الفرن استطاع تخريج الطبيب، والمهندس، وإمام المسجد، ومعلم مدرسة".

ويشير هلال إلى أن الفرن استطاع المحافظة على زبائنه جيلاً بعد جيل؛ فزبائن الفرن اليوم هم أبناء وأحفاد زبائن قدامى لوالده وجده من قبله، مؤكدًا أنهم لا يفكرون بتغيير مكان الفرن أو الانتقال لمكان آخر للمحافظة على تراث العائلة الذي ارتبط بالمكان، "كما أن رزق العائلة ارتبط بالمكان"، كما يؤكد.