فلسطين أون لاين

بتمويل من رجل خير

"طباخة الغلابة".. تسند بطون الفقراء بـ"لُقمة ساخنة"

...
طاهية الغلابة
غزة/ مريم الشوبكي:

يصطف الأطفال في إحدى المناطق المهمشة ببلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة بطابور حاملين قدور صغيرة قبيل موعد الإفطار بدقائق قليلة، يتحلقون نحو القدر الكبير الذي تحرّك به علياء أبو ياسر طعام البازيلاء الذي صنعته باللحم، رائحته الزكية تثير شهيتهم، وتدخل السرور على قلوبهم قبل بطونهم.

الطعام الذي تصنعه أبو ياسر يومًا بعد يوم، ينتظره سكان منطقتها على أحر من الجمر، فمعظمهم من مستوري الحال والمحتاجين.

يسمونها طباخة "الغلابة"، لأنها تتعمد أن تعد طعامها باللحم الذي يعد حلمًا صعب المنال للأسر المتعففة ذات العدد الكبير من الأفراد.

علياء (52 عامًا) هي أرملة لديها تسعة من الأبناء، "شيك" الشئون هو مصدر دخلها الوحيد والذي تقاضته آخر مرة منذ أكثر من ستة أشهر، ومع ذلك تعرف بيدها الممدودة للغير بالعطاء، والكرم فحينما تعد طبخة مميزة تصر على إطعام جيرانها منها، وفق قولها.

تقول لـ"فلسطين": إن معظم أهل منطقة "مركز تأهيل أبو عبيدة" من الفقراء، فهي أرض حكومية أقاموا عليها مساكن بسيطة للغاية لعدم مأوى لهم، ويعيشون ظروفًا صعبة، "ولأني أعيش ذات الظروف، أشعر بوجعهم لذا أختار الأكلات التي يحبونها وأدخل فيها اللحم قطعًا، ومفرومًا".

وتتابع: "هذه المبادرة أنفذها باقتراح وتمويل من رجل خير، نفذتها معه قبل عامين، وأعاد رمضان هذا العام الكرة، وطلب مني صناعة الطعام طيلة شهر رمضان، إذ يعطيني مالًا يغطي ثمن الطبخة اليومية، وأطهوه على بوتجازي، وقدر كبير موجود لدي من قبل".

وتعد علياء طعام الإفطار لنحو 30 شخصًا من الجيران، والمتعففين الذين يقطنون في حارات قريبة منها، وتتعمد تأخير إعدادها ليتناولها ساخنة.

وتبدأ علياء يومها باكرًا، بابتياع الخضروات واللحم التي يشتريها ابنها، وبعد صلاة الظهر تجهز بمساعدة ابنتها مكونات الطبخة، فيما يعمل ابنها الآخر على إعلام الناس المستحقين بعد الساعة الخامسة مساءً لاستلام وجباتهم الساخنة.

وتوضح أنها تعد الفاصولياء البيضاء، وشوربة الفريكة، والبازيلاء، والبطاطس بالبندورة وقطع اللحم، والمعكرونة باللحم المفروم.

وتشير علياء إلى أن المحتاجين يطالبونها دائمًا بإعداد وجبات الأرز والدجاج المشوي، ولكنها لا تستطيع تلبية احتياجاتهم لمحدودية الميزانية التي تعمل بها.

ويحفظ أطفال بيت لاهيا الأيام التي تعد بها علياء طعامها الشهي، كأنها أيام عيد، وفي اليوم الذي لا تتمكن من إعداد الطعام، يسرعون إلى سؤالها عن سبب توقفها عن ذلك، فسرعان ما تعتذر منهم، وتعدهم بأن تعوض ذلك في اليوم التالي.

تصف علياء حالة معظم سكان منطقتها بالصعبة للغاية، فكثير منهم لا يعد وجبات إفطار يوميًا، ويمكن أن تمر عليهم أيام طويلة دون أن يطهوا طبخة، وهي كذلك.

وتروي موقفًا تكرر معها أكثر من مرة: "في إحدى الأيام طبخت بازيلاء، وقمت بتوزيع كل الكمية على من قصد بيتي، وإذ بامرأة تدق بابي تطلب طعامًا، فلم أردها خائبة قسمت حصتي من الطعام بيني وبينها، وتكرر الموقف مع طفلة أخرى ففعلت نفس الشيء معها".

وإعداد وجبات كبيرة عمل مجهد، ويحتاج إلى وقت طويل، ولكن "طاهية الغلابة" تجد فيه السعادة الغامرة، والراحة، لأنها ستطعم في النهاية جائعًا، وصائمًا، وسينالها الكثير من الأدعية.

وتطهو علياء للمحتاجين عملًا بحديث الرسول: "مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة"، لأنها ترجو من الله أن يفرج عنها كربتها، ويخفف معاناتها.