"إن غدًا لناظره قريب" مثل يتداوله الناس للحث على التأني، وعدم التسرع، والاستعجال عند الإقدام على أمر ما، فعند وقوع الحدث لا بد من عدم إعطاء ردة فعل بناء على انفعال لحظي يمكن أن يندم عليه الشخص فيما بعد، فالتأني دائمًا يأتي بقرارات سليمة.
والمثل مأخوذ من بيت شعر لـ"قراد بن أجدع الكلبي"، وهو أحد شعراء الجاهلية، ويقول فيه: فإن يك صدر هذا اليوم ولى.. فإنَّ غداً لناظرهِ قريبٌ.
تدور أحداث قصة المثل كما ترويها الحكواتية المقدسية ماجدة صبحي حول ملك يدعى النعمان بن المنذر يتصف بالذكاء، والدهاء، ذهب في يوم من الأيام إلى ممارسة الصيد مع أصدقائه، وفي أثناء رحلة الصيد سلك طريق بعيدًا عنهم، وحل الليل، ووجد منزل بالقرب منه، ولجأ إليه إلى أن يحل الصباح.
وكان صاحب المنزل كريما، وقام بواجب الزيارة على أكمل وجه، وفي الصباح تعرف الرجل إلى النعمان وشكره على استقباله الجميل له. ومرت الأيام حيث كان النعمان يتخذ يومًا من أيام السنة يسميه يوم البؤس، وكل شخص يأتي إليه في هذا اليوم يقتله دون رحمة.
وفي هذا اليوم من هذه السنة جاء للنعمان الرجل الذي أكرمه عندما تاه على أصدقائه في أثناء الصيد، وكان الرجل يحتاج إلى المساعدة، فلجأ إلى النعمان، فقال له النعمان: أنت أتيت في يوم البؤس، وفي مثل هذا اليوم سوف أقتلك.
وسلم الرجل لقراره ولكنه طلب منه أن يذهب ويودع أهله قبل أن يموت، فتقدم أحد رجال النعمان بكفالة الرجل بالعودة إلى النعمان، فأخبره النعمان عن موعد تنفيذ حكم القتل وتركه يذهب، وبعد مرور الأيام لم يعد الرجل كما وعد، وبقي يوم واحد على تنفيذ الحكم فيه، وقرر أن يقتل الرجل الذي كفله بدلا منه، فقال له الكفيل وهو الشاعر الكلبي:
فإن يك صدر هذا اليوم ولى.. فإن غدا لناظره قريب.
وفي صبيحة اليوم التالي ذهب النعمان ورجاله لقتل الكفيل، فأقبل وزراء النعمان وقالوا له: لا يمكنك قتله إلا بعد انتهاء اليوم، وتراجع النعمان عن قراره، ومع غروب الشمس شاهد رجلا قادما نحوه، وأمر بقتل الرجل القادم إليهم.
فأوقفه رجال النعمان وقالوا له لا بد أن نتعرف إلى هويته أولا، وعندما ظهرت ملامح الرجل تبين أنه الرجل الذي قرر النعمان قتله، فسأله: لماذا جئت إلى الموت بنفسك؟ فأجابه: الوفاء، فأنا قطعت عهدًا بالعودة إليك، فتعجب النعمان من قوله، وتأثر كثيرًا، وعفا عنه وعن الكفيل، ولم يقبل على قتل أحد بعد هذا الموقف.