قائمة الموقع

محمد موسى ينسى العالم بين أسراب الأسماك

2017-09-14T06:48:57+03:00

مع بدء رحيل قرص الشمس المتلألئ والذي يعكس ألوانها الجميلة على أمواج البحر، حين يتسلل الليل بهدوء يبدأ محمد موسى 32 عاما) مع أصدقائه بالاستعداد للغوص في أعماق البحر وهم ينتظرون هدوء الرياح الشمالية وثباتها فيكون الجو مناسباً للصيد المفضل له بالليل، لتصبح أمواج البحر ساكنة، وتبدأ لحظاتٍ ممتعة يتحدث محمد عن تفاصيلها لصحيفة "فلسطين".

أعماق بحر غزة بجمالها الأخاذ تأسر قلب موسى، فيسحره شكل السمكة وهي مختبئة وتنظر إليه كفتاة خجولة بعد أن يقترب منها ويضيء نور منظاره تحت الماء نحوها ويصبح في حيرة من أمره كيف سيصطادها وهي على هذه الوضعية، يجذبه منظر القطع الحديدية القديمة الموجودة في أعماق البحر التي بدورها تجذب الأسماك التي تفضلها على الصخور.

ويعشق منظر الصخر الذي تنبت فوقه الحشائش العشبية الصغيرة التي تتمايل مع مياه البحر، وشكل، تسحره أسراب الأسماك التي تتجمع حول بعضها البعض، وكذلك قناديل البحر، وغيره من الكائنات البحرية، حتى منظر صديقه تحت الماء يكون جميلا، ينبهر بجمال الصدف البحري الذي ينغلق على نفسه بعد أن يقترب منه ومن ثم يتفتح بعد الابتعاد عنه فيشعر بجمال هذا الكائن الحي.

محمد موسى ( 32 عاما) متزوج ولديه ولدان وبنت، يسكن بمحافظة خان يونس بــ حي الأمل، يمارس مهنة الغطس منذ عام 2013، تعلمها من أخوالها وأصدقاء عائلته من الصيادين.

بداية التحدي

لا ينسى أول يوم أراد فيه ممارسة الغطس؛ إذ يستعيد ذلك المشهد بابتسامة، قائلاً: "ذهبت حينها للغطس مع أشخاص أكبر مني سناً، وحينما نزلت البحر ضحكوا طويلاً حين رأوا غوصي الخاطئ"، فمثل هذا الموقف كان بداية التحدي لمحمد الذي صمّم على تحدي أقرانه.

في البداية، بدأ بالتدرب المتواصل، وشراء الأغراض اللازمة للغوص والغطس كالزعانف، وبدلة الغوص، وإلى جانب الهواية التي عشق خلالها البحر، اشترى محمد بندقية صيد ليضيف جانباً مفعماً بالحيوية إلى تفاصيل حياته وهو صيد الأسماك بواسطة بندقية صيد مائية.

(ماذا يمثل لك البحر؟) سؤال أخرج مشاعر محمد تجاه هذا المكان الذي عشقه "بمجرد أن تخط قدماي البحر أصبح في عالم آخر، فالبحر كل حياتي، حتى في لحظات الضيق أجلس أمامه ويسرح خيالي لأنسى همومي".

أما الأعماق فلها حكاية أخرى مع محمد، فيقول بعد ان احتسى جرعة من صمت هادئة وعاود الكلام "الأعماق هي المكان الذي أرتاح فيه، أشعر بالراحة النفسية تجاه الأسماك ، لأترك كل مشاكلي في أعماق البحر، وهنا أنسى كل العالم ".

على عمق 14 مترا تحت سطح البحر يمارس موسى هواية الغطس عادة، وهو غطس حر بدون أنبوبة أكسجين، أما حينما يغوص في أنبوبة الأكسجين فأنه يصل إلى عمق 25 مترا تحت الماء، ويستدرك الكلام: "أغوص بأنبوبة الأكسجين في العام أربعة مرات لأنها تحتاج إلى مياه صافية وهو ما لا يتوفر ببحر غزة التي تعاني من تلوث مياه البحر بالمياه العادمة وكذلك لكونها مناطق رملية وليست صخرية التي تكون فيها المياه صافية، أما الغوص الحر بدون أنبوبة فأمارسه باستمرار".

وللغوص بأنبوبة الأكسجين شروط، يتحدث عنها موسى، أولها أن ينزل الغاطس بصحبة زميل له، حتى يجهزه، مع تفقد أنبوبة الأكسجين، وساعة الضغط، وعن ذلك يقول: "بعد تفقد جميع وسائل الأمان، نأخذ حذرنا من شباك الصيادين، والقطع الحديدية التي يضعها الصيادون من مركبات وغيرها، كي تتجمع عليها الأسماك، على اعتبار أن تشابك هذه القطع مع أي من معدات الغطس قد يتسبب بمشكلة كبيرة لنا".

ولأن نزول البحر بالليل يعتبر خطيرا، يحدثنا موسى عن معاييرهم في إجراءات السلامة قائلاً: "ننتظر هدوء الرياح الشمالية التي تتسبب بتيارات بحرية تفقدنا توازننا تحت الماء، وهو ما يهددنا بالارتطام بالصخور".

وبعد مرور ساعتين، وانتهاء محمد وأصدقائه من صيد الأسماك، وانتهاء لحظات ممتعة من الغطس الحر وصيد الأسماك، ومن ثم الخروج إلى السطح وأخذ جرعة من الأكسجين، ومعاودة الكرة كأنها معركة مع تلك الأسماك التي تتخذ من الصخور حصونا لها، تنتهي تلك المهمة بصيد نحو أربعة كيلو من الأسماك، التي يعلقها على حقيبة تسمى "حرجاية" تستوعب حتى وزن 8 كغم.

أعماق وحلم

أما في عمق 25 مترا فإن السمكة الواحدة غالبا ما تزن من 8-15 كغم، فتوفر السمكة الواحدة عناء التعب الذي يمضيه هؤلاء الأصدقاء، في صيد الاسماك بنظام الغطس الحر على مسافة 14 مترا، ويواصل: "في الغطس بواسطة أنبوبة الأكسجين نستمر حتى 45 دقيقة، يصطاد كل واحد فينا أربع سمكات كبيرة نضعها على قارب الصيد، ونأكل منها ونبيع ما تبقى للتجار ".

"طموحي المشاركة في مسابقات خارجية، وأن ننشئ مدرسة لتعليم الغوص، وأن تقوم جهة ما بتبنينا، ويتعلم هذه المهارة الكثير من أبناء القطاع" قالها بنبرة حزينة على واقع الحال الذي لم يمكنه من تحقيق ذلك، ويقول: "اليوم أصبحنا نفكر بكيفية توفير مصدر دخل لأسرتي".

موقف لا يفر من حديث موسى لنا، فذات يوم بعد أن عاد من عمله "بمحل مرطبات" بعد 13 ساعة عمل متواصلة، اتصل به اصدقاؤه، للغوص بأنبوبة الأكسجين تحت الماء، وكان موسى حينها متعبا، لأنه نزل إلى البحر في الليلة السابقة، ويواصل: "أثناء غوصنا أصابني التشنج، وغبت عن الوعي، فحمدت الله أن صديقي لاحظ ذلك وصعد بي إلى السطح وأنقذ الموقف"، وفي يوم لافت سقطت "بندقية الصيد" التي تعمل بضغط الهواء بين الصخور وكلف موسى إخراجها عناء.

ويختم حديثه بموقفٍ طريف: " ذات يوم صرخ أحد أصدقائي الغطاسين وطلب مني أن أتفحص الفقاعات التي تخرج من البحر، اعتقدنا أن لجيش الاحتلال علاقة؛ وتبين بعد ذلك أنها فقاعات "غاز طبيعي" عشنا جواً من الرعب في تلك اللحظات".

اخبار ذات صلة