يتوسط قرص الثوم المزين بالسماق مائدة الإفطار في بيوت الكثيرين من أهل نابلس، الذين اعتادوا أن يشتروه من محلات في السوق الشرقي بالبلدة القديمة، فلا يزال أصحاب تلك المحلات يحافظون على الطريقة التقليدية في إعداده باستخدام أدوات ورثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ عشرات السنين.
مجدي عرفات (58 عامًا) صاحب محل متخصص في إعداد قرص الثوم نابلسي الأصل وأكلات تقليدية أخرى، يبدأ عمله مع إخوته الثلاثة الساعة الرابعة فجرًا، فيحضرون العجينة لتكون جاهزة للقلي مباشرة عند طلب الزبائن، وينشغل أبناؤهم بتحضير التمرية والزلابيا والعوامة، وهي أنواع حلويات معروفة في نابلس وبعض المدن الفلسطينية.
يتميز قرص الثوم عند عرفات باحتفاظه بالطعم نفسه منذ سنوات طويلة ما يذكر الزبائن بـ"أيام زمان"، فهو يحافظ على مهنة متوارثة في عائلته تجاوز عمرها 200 عام.
يقول عرفات لـ"فلسطين": "نحن الجيل الرابع في المحل، ورثنا المهنة عن والدنا الذي ورثها عن والده وجده، ونعد قرص الثوم والحلويات التقليدية الأصيلة بنفس الطريقة التي تعلمناها عن أجدادنا".
ويفيد عرفات أنه لا يعمل في المحل الذي تعددت أفرعه في مدن عدة، إلا أبناء العائلة، ويرفضون إدخال أحد معهم للعمل؛ حفاظًا على سر المهنة وأصالتها وعراقتها.
ويستخدم عرفات في عمله أدوات ورثها عن والده وأجداده منها "مصفاة من النحاس وشوبك عمره 120 سنة".
أكلة لمناسبات مختلفة
والثوم جزء لا يتجزأ من أي مطبخ حول العالم، ويعد أحد الإضافات اللذيذة للأطعمة، ويكفي عدد قليل من فصوص الثوم لإضفاء نكهة فريدة إلى طعامك، كما يخبر جواد عاشور صاحب محل يزيد عمره عن 54 عامًا لبيع الأكلات التراثية في سوق البلدة القديمة بنابلس.
ويستخدم عاشور في إعداد عجينة قرص الثوم إناءً تجاوز عمره 100 عام، ويقوم بتغليف الأكلات التي يحضرها بالورق كما فعل أجداده من قبل.
ويفيد بأن الناس قديمًا كانوا يشترون قرص الثوم، والتمرية، كإفطار للعروسين صباح يوم زواجهما، وكان يباع أيضًا كفطور لأهل الميت في بيوت العزاء.
ويقول: "مع تقدم الزمن انطفأت العادات القديمة، وقل الإقبال على الأكلات التراثية في المناسبات المختلفة، لكن لا زال هناك من يحبها ويشتريها في التجمعات العائلية، ويزين بها موائد الإفطار صباحًا"، ويزداد إقبال الناس على شراء قرص الثوم في يوم الجمعة وفي الإجازات وفي فصل الشتاء، وفق عاشور.
وتتفرد نابلس بصناعة قرص الثوم الذي يعد جزءًا أصيلًا من تراثها، ويتكون من الدقيق والماء والخميرة والبيض والثوم المهروس، تخفق المكونات جيدًا وتقلى في زيت محمّى مسبقًا، وعندما ينضج القرص يرش بالملح والسماق ويغلف بالورق، ويؤكل ساخنًا وباردًا.
غلاء المكونات
ويعدد عرفات الصعوبات التي يواجهها في عمله، فيقول: "نعاني من غلاء المكونات والمواد الخام، وانتشار المخابز الحديثة، وميول معظم الناس نحو الأكلات السريعة"، مستدركًا "لكننا ومنذ عدة سنوات نبيع قرص الثوم الواحد بشيكل ونصف وهو سعر رمزي بسيط، ولم نرفع سعره مراعاة للوضع المعيشي الصعب ولتشجيع الناس على شرائه للمحافظة على تراث أجدادنا".
ويضيف: "عشقي لعملي ومهنتي هو ما يدفعني للاستيقاظ باكرًا وتحمل التعب وحرار الزيت والموقد لساعات طويلة".
ويؤكد عرفات وعاشور أن استمرارهما بإعداد قرص الثوم والأكلات التقليدية الأخرى يساهمان في الحفاظ على جزء من تراث مدينة نابلس، وأن هذه الأكلات هي شيء من "رائحة الآباء".
وفي مشاهد للسوق الشرقي بالبلدة القديمة بنابلس ترى تزاحم الناس من المواطنين والزوار على المطاعم والمحلات الشعبية، فانتشار المطاعم الحديثة لم يطغِ على سحر مذاق الأكلات التقليدية التراثية التي تحمل إرثًا يعيدك إلى حياة الآباء والأجداد البسيطة.