فلسطين أون لاين

كأنك يا أبو زيد ما غزيت

...
قصة مثل" كأنك يا أبو زيد ما غزيت"
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

"كأنك يا أبو زيد ما غزيت"، مثل شعبي اشتهر في شبه الجزيرة العربية، ويقال عندما يقوم أحدهم بمجهود كبير ولا يحقق من ورائه الفائدة المرجوة، فيغدو عمله هباء منثورًا.

ويلخص هذا المثل السيرة الهلالية، أو ما يعرف بتغريبة بني هلال، وهم قوم من بطون البادية العربية، كانوا يسكنون في شبه الجزيرة العربية، وشخصية أبو زيد الهلالي هي أحد أهم شخصيات تلك السيرة الرائعة، وهو فارس بني هلال المقدام الذي ارتبط به المثل.

وللمثل قصة ارتبطت بصاحبه أبو زيد الهلالي، يرويها الباحث في التراث الشعبي إدريس جرادات. 

تعود قصة مثلنا إلى سنوات عجاف عاشها بنو هلال ثمانية أعوام، هلكت فيها دوابهم وعانوا الفقر والجوع، ولما ضاق بهم الحال ذهبوا إلى أميرهم حسن بن سرحان، واتفقوا على أن يحطوا رحالهم بأرضٍ جديدة، تكسوها الخضرة ويرويها الماء، واتفقوا أيضًا على إرسال فريق منهم يستكشف الأرض الجديدة التي سيرتحلون إليها.

وقع الاختيار على فارس بني هلال المغوار أبو زيد الهلالي، ولكنه اشترط أن يأخذ معه في تلك الرحلة ابني الأمير يحيى، ويونس، وانطلق الفريق معًا حتى وصلوا إلى مشارف مصر ثم تجاوزوها غربًا حتى تونس الخضراء، فلما رأوها أعجبتهم خضرتها، واستقر فيما بينهم أنها هي البلد المنشود.

بلغ أمر وصولهم مسامع ملك البلاد الزناتي الذي كان قد رأى في المنام أن هناك من سيأتي وينتزع الأرض والملك منه، فلما رأى أبو زيد الهلالي، ومن معه أدرك أن رؤياه قاربت على الحدوث، ولما حاورهم الزناتي كي يتأكد من هويتهم كذبوا عليه، وادعوا أنهم حجاج ضلوا الطريق، ولكن الملك لم يصدقهم فسجنهم جميعًا.

لكن أبو زيد الهلالي استطاع أن يخرج من السجن بمساعدة "الصفيرا" ابنة الملك، إذ أخبرت أباها أنه عبد، وليس فارسًا كما يظنون، وبالطبع ليس من شيمهم أسر العبيد، فتركه الملك بالفعل، وعمل طباخًا بقصره، ولكن الزناتي أوصى العلام، وهو أحد فرسانه بمراقبة الهلالي، فقام العلام بحيلة صغيرة استطاع أن يكشف بها أمر أبو زيد الهلالي.

قام العلام بتنفيذ عرض للخيل والفرسان، فلما رأى ذلك أبو زيد ترك ما بيده وأخذ يراقب عرض الفروسية بلهفة كبيرة، فتيقن العلام بأنه ليس عبدًا، وواجه أبو زيد بالأمر فاعترف له بالحقيقة، لكنه استطاع إقناع العلام بألا يفشي سره ويخلي سبيله، وفي المقابل وعده ألا يقتله إن غزت بني هلال تونس، ووعده العلام ألا يمسه بأذى حينها أيضًا.

عاد أبو زيد على الفور ليخبر قومه عن تونس الخضراء، فأعدوا العدة وزحفوا إلى تونس، ولكن علياء زوجة الهلالي لم ترافقهم حينها، فقد كانت على خلاف معه، وبعد ثلاثة شهور من المعارك الطاحنة التي تزعمها الهلالي، وذياب بن غانم انتصر بنو هلال على الزناتي، فأرسل أبوزيد إلى زوجته كي تأتي لبلادهم الجديدة، فأرسلت إليه بأن لا حاجة لها بذلك فقد عمت الأمطار وانتشرت الخيرات في الديار الهلالية من جديد، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.