لم يدر بخلد المواطن مزيد ياسين من سلفيت أنه سيكون عرضة للملاحقة والمطاردة من المستوطنين، لمجرد قطفه نبتة العكوب الجبلية بالقرب من إحدى المستوطنات شرق رام الله.
وكان ياسين قد خرج من منزله في الصباح الباكر لمنطقة بلدة دير دبوان شرق الله لقطف العكوب، بالقرب من مستوطنة "معاليه مخماس"، لكنه فر هربًا بعدما تعرض لنيران المستوطنين.
وياسين واحد من عشرات الفلسطينيين المعذبين بفعل هجمات المستوطنين القاتلة، وكان يحاول قطف تلك النبتة من أجل تحصيل قوت عائلته المكونة من 7 أفراد.
يقول لصحيفة "فلسطين": "التفتُّ لسفح الجبل فرأيت أربعة مستوطنين ومعهم أسلحة نارية، يتوجهون نحوي ويطلبون مني أن أقف وأسلم نفسي لهم".
ويلفت إلى أن مسافة ١٥٠ مترا كانت بينهم، مكنته من النجاة بنفسه، "انسحبت بسرعة، وتركت خلفي كيس العكوب، الذي تعبت وأنا أجمعه".
والعكوب، نبتة برية شوكية تطهى مع اللبن واللحم والأرز. وبدءا من أواخر فبراير وعلى امتداد مارس من كل عام، يقطف العكوب، وتنشغل الفلسطينيات بتجهيزه للتخزين، وتجميده في البراد.
ويستذكر أبو أنس العريض من سلفيت ما حل بزوجته من كسر لإحدى يديها قبل عامين، حين هاجمها مستوطنون وهي تجمع النبتة الشوكية وكسروا يدها، ولا تزال تواجه متاعب صحية بسبب ذلك الكسر، "فليس سهلًا أن تكون كبيرًا في السن وتتعرض لكسور في العظام، فألمها شديد في برد الشتاء".
ويحاول العريض وأهله في وقت جمع العكوب تجنب الاقتراب من المستوطنات قدر الإمكان، وفي كثير من الأحيان يكون الاقتراب شرا لا بد منه حيث باتت مساحات واسعة في سلفيت تقع ضمن نطاق المناطق (ج) تحت أيدي المستوطنين.
ويلفت إلى أن المستوطنين لا يكتفون بتهديد حيواتهم بالسلاح بل يطلعون الكلاب عليهم، "وتسبب ذلك بقطع أرزاق الكثير من المواطنين، وأحيانا يصادرون العكوب ويتلفونه".
وأكلة العكوب مع اللبن نوع من التراث في مدينتي نابلس وسلفيت، ووجبة مفضلة لدى الكثير من الفلسطينيين خلال فصل الربيع، رغم ارتفاع ثمنها للمستهلكين.
ويعد موسم النبتة الشوكية مصدر رزق لدى الكثيرين، بدءا من قاطفيه الذين يجمعون ثماره من الجبال، ويبيعونه للتجار، كما تفعل رغد المصري من بلدة عقربا جنوب نابلس.
وتفيد المصري بأنها تبيع الكيلو غرام الواحد من العكوب بشوكه مقابل 10 شواقل، ويصل ثمنه إلى ٦٠ شيقلًا عند تنظيفه من الأشواك وذلك لصعوبة عملية التعكيب، ويدر عليها هذا العمل دخلا وفيرا كل عام.
وتبين أن انتشار المستوطنين قرب المستوطنات وطردهم والاعتداء علينا يتكرر كل عام، "لكننا نعاود الكرة مرة أخرى، فالأرض أرضنا، وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق".
وترتدي المصري القفازات حتى لا تتأذى يداها من شوك العكوب خلال تنظيفه، مشيرة إلى أن تنظيف العكوب بحاجة إلى مساعدة، "فإيد وحدة ما بتصفق، ولا أستطيع أن أنجز تنظيف الكمية للتخزين والبيع في السوق".
وتعد نبتة العكوب من أشهر الأكلات الفلسطينية وخاصة في نابلس، ويحرص أهالي المدينة على شرائها مع بداية موسمها، على الرغم من ارتفاع سعرها.
ويصبح النبات تدريجيا أكثر جفافا خلال الصيف، وتنمو الأشواك بشكل أكبر، ويتحول اللون من الأخضر إلى الأصفر. وبفعل الرياح تُنثر بذور العكوب الجافة في الأرض لمحصول العام التالي.
وتؤكل من العكوب، الجذور والسيقان والأوراق والرؤوس غير الناضجة، ويميل لونه بين الأخضر والأبيض، وشكله أسطواني، وورقه أخضر، وتغطيه الأشواك على شكل وبر.
ومع أن سعر العكوب مرتفع إلا أن الطلب عليه لا يزال كبيرا في أسواق نابلس ورام الله وبقية مدن الضفة الغربية.
ويتم طبخ العكوب بوضعه في وعاء وتقليبه على نار هادئة مع قليل من الماء، أو قليه بالزيت قبل حفظه.
وللعكوب فوائد كثيرة، لاحتوائه على الكثير من الأملاح المعدنية، وخاصة البوتاسيوم، كما يحتوي على الحديد والمغنيسيوم، وفيتامينات (أ) و(ب) و(ج) و(ك)، فضلا عن الدهون، والكربوهيدرات، والبروتينات، والدهون المشبعة، والألياف.